القانون الانتخابي: تعديلات تأسّس لمجلس رجالي من أصحاب الأموال والولاءات والقبليّة

19 سبتمبر 2022

الفهرس

  1. نظام الاقتراع على الأفراد أو نظام التأسيس لبرلمان غير تمثيلي
  2. شروط الترشّح ومعضلة الـ400 تزكية
  3. تقسيم اعتباطي للدوائر الانتخابيّة
  4. سحب الوكالة أداة الابتزاز الجديدة للنوّاب
  5. استثناء المرشّح للرئاسة من العقوبة في حال تلقّيه تمويل أجنبي
  6. سدّ الشغور بالمجلس النيابي والحلّ الوحيد انتخابات جزئيّة
  7. الغاء التمويل العمومي وامالة الكفة لأصحاب المال
  8. مرسوم تسرّبت له أخطاء في اختصاص الدوائر حول النزاعات الانتخابيّة
  9. الفصل 104: تعذّر اجراء الانتخابات وعدم مطابقة الرأي مع الهيئة

******************************************************************************************************************************

السياق

بطريقة أحاديّة، أصدر رئيس الجمهوريّة في الرائد الرسمي للبلاد التونسيّة، ليلة الخميس 15 سبتمبر 2022، المرسوم 55 لسنة 2022، الذي يتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء. وأرسل رئيس الجمهوريّة مشروع المرسوم للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، لابداء رأيها، فقط سويعات قبل صدور المرسوم بالرائد الرسمي، متجاهلا الدور المحوري للهئية في العمليّة الانتخابيّة.

فمنذ أن أعلن سعيّد عن حالة الاستثناء في 25 جويلية 2021، أصدر بطريقة انفراديّة، عديد النصوص القانونية المتعلّقة بالانتخابات كالقوانين المؤطّرة لمسار الاستفتاء كالمرسوم عدد 22 لسنو 2022، المؤرّخ في 21 أفريل 2022 المنقّح للقانون الأساسي الخاص بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات. الذي أعطيت بمقتضاه اختصاص تعيين أعضائها لرئيس الجمهورية عوضا عن مجلس نواب الشعب وتغيير نظام حصانتهم الذي أسندت سلطة البتّ في رفعها إلى مجلس الهيئة مكان مجلس نواب الشعب. بالاضافة لتقليص عدد الأعضاء من 9 إلى 7 أعضاء.

كما أصدر رئيس الجمهوريّة المرسوم عدد 34 لسنة 2022، المؤرّخ في غرّة جوان 2022 والمنقّح والمتمّم للقانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014، المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء الذي أقرّ نظام التسجيل الآلي للناخبين والناخبات. بالاضافة للمرسوم عدد 32 لسنة 2022، المؤرّخ في 25 ماي 2022 والمتعلّق بأحكام استثنائية حول استفتاء 25 جويلية الذي غيّر الأجل الأقصى الذي يجب أن يصدر فيه للعموم النص موضوع الاستفتاء.

وحيث لم يصبح هذا التوجه الانفرادي غريبا على رئيس الجمهوريّة، بالرغم من أهميّة التعديلات التي شملها المرسوم 55، اذ أنه يواصل انتهاج هذه الممارسات على غرار ما حصل مع محطّات خارطة الطريق السابقة من استشارة الاكترونيّة واستشارة وطنيّة وتعديل للدستور وصولا لاجراء الاستفتاء في سياق رفض واسع من الفاعلين المدينيّن والسياسيّن.

ومن منطلق عملها على مراقبة التشريعات والمؤسّسات تقدّم منظّمة البوصلة قراءتها في أهم التعديلات التي أدخلت على القانون الانتخابي لتوضيحها للمواطنات والمواطنين من ناحية والوقوف على أهم مخاطرها من ناحية ثانية.

  • نظام الاقتراع على الأفراد أو نظام التأسيس لبرلمان غير تمثيلي

يعدّ التحوّل من نظام الاقتراع على القائمات الى نظام الاقتراع على الأفراد من أبرز نقاط التحوّل في النظام الانتخابي التونسي بعد هذه التعديلات الواردة في المرسوم 55، ليصبح التصويت في الانتخابات التشريعيّة على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابيّة ذات مقعد واحد. حيث يختار النّاخب مترشّحا واحدا في ورقة التّصويت دون شطب أو تغيير أو إضافة ويتم اللجوء الى الدور الثاني في أجل الأسبوعين التاليين للاعلان على النتائج النهائيّة في حال لم يتحصّل أحد المرشحيّن في الدور الأوّل على الأغلبيّة المطلقة.

ويعدّ هذا التغيير الجوهري خطيرا على مجموعة من المكاسب التي تمّ مراكمتها بإعتبار أنه لن يضمن تمثيليّة متوازنة لكل الفئات الاجتماعيّة كالمرأة والشباب، باعتبار التخليّ عن مبدأ التناصف ومبدأ تمثيل الشباب في القائمات إلّا أنه أيضا يكثّف، باعتبار التركيبة المجتمعيّة التونسيّة، في تغذية الانتخاب على أساس الانتماء القبلي والأسري الذي لا يقوم على أسس البرامج بل على أساس الرابط العرقي.

ففي حين ضمن مبدأ التناصف في الانتخابات التشريعيّة وخاصة البلديّة السابقة تمثيليّة للمرأة والشباب في المجالس المنتخبة، وكان المأمول اضافة مبدأ التناصف عموديا لمزيد تحقيق تواجد هذه الفئات الاجتماعيّة بشكل متناسب مع تمثيليّتها في المجتمع، يأتي هذا المرسوم لينسف كل فرص التناسب ويجعل من المجلس النيابي القادم مجلسا تغيب عنه النساء وتتراجع فيه تمثيليّة الشباب.

من جهة أخرى تتفاقم سلبيّات الاقتراع على الأفراد في المجتمعات التي تملك تقاليد انتخابيّة وسياسيّة ومنظومات حزبيّة قويّة التي تذهب لاعتماد تمثيل نسبي أو مختلط بإعتبارهما يترجمان بطريقة أفضل بكثير أصوات الناخبين عند توزيع المقاعد النيابيّة عوض النظام الانتخاب على الأفراد الذي تم اعتماده في المرسوم 55 والذي سيكون مدخلا لتشجيع المستقلّين، وخاصة من أصحاب الأموال والجاه.

ليصبح انتماء النائب انتماء أكثر جهويّة ومرتبطا بشبكات المصالح المحليّة والقبليّة في حين أن الأصل هو أن كلّ نائب هو ممثّل للأمة وليس ممثلا سكتاريا لقبيلة أو دائرة أو لمصالح مجموعة معيّنة.

  • شروط الترشّح ومعضلة الـ400 تزكية

شملت التنقيحات في شروط الترشّح الفصل 19 حيث تم إضافة 3 شروط في الفصل 19 وهي شرط عدم حمل جنسيّة أجنبيّة بالنسبة للمترشّحين بالدوائر الانتخابيّة بالتراب التونسي، بالاضافة لضرورة اقامة المترشّح بالدائرة الانتخابيّة المترشّح عنها. كما أضيف شرط النقاء من السوابق العدليّة (عبر تقديم البطاقة عدد 3 أو وصل في الحصول عليها).

أما في مسألة الجنسيّة الأجنبيّة فقد ظهر تناقض هام حيث يمكن لناخب يسكن خارج تراب الوطن من أن يكون عضوا بالمجلس التشريعي وهو حامل لجنسيّتين في حين لا يمكن لنفس الناخب أن يكون عضوا بنفس المجلس ان كان ساكنا داخل التراب التونسي وهو ما يعدّ مخالفة صريحة للفصل 23 من الدستور الجديد المتعلّق بالمساواة بين التونسيّات والتونسيّين في الحقوق. كما يمكن اعتبار أن هذه النقطة تتعارض مع مبدئ القيود المشروعة للحقوق والحريّات التي جاء بها الفصل 55 من الدستور الجديد الذي ينصّ على أنه يمكن الحدّ من بعض الحقوق في حالات مرتبطة بالأمن العام وغيرها من الضرورات باعتبار التناقض هنا، اذ أنه ان اعتبرنا أن حامل الجنسيّة الثانية يندرج ضمن هذه الضرورات فيجب منع كلّ من له جنسيّة ثانية من أن يكون عضوا في المجلس التشريعي وان اعتبرنا عكس ذلك فيمكن لكلّ من له جنسيّة ثانية أن يكون عضوا في المجلس. لكنّ ما أتى به هذا الفصل يمثّل اشكالا دستوريّا واضحا في مسألة المساواة بين الناخبات والناخبين. كما أن هذا الاجراء يعدّ منافيا ومتعارضا مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

أما فيما يخصّ الوثائق المطلوبة لتقديم الترشّح فقد تم اضافة أربعة نقاط للفصل 21 وهي شهادة في إبراء الذّمة من الأداءات البلديّة وشهادة إقامة للتثبّت من امكانيّة الترشّح في الدائرة الانتخابيّة المذكورة بالاضافة لتضمين موجز البرنامج الانتخابي للمترشّح.

أما الاضافة الرابعة فتتمثّل في تقديم قائمة اسميّة تضمّ 400 تزكية من النّاخبين المسجّلين في الدّائرة الانتخابيّة معرّف عليها بإمضاء المزكّين لدى ضابط الحالة المدنيّة أو لدى الهيئة الفرعيّة للانتخابات المختصّة ترابيّا على أن يكون نصف المزكّين من الإناث والنّصف الثّاني من الذكور، على أن لا يقلّ عدد المزكّيات والمزكّين من الشّباب دون سنّ الخمس والثّلاثين عن 25 % مع التنصيص على عدم امكانيّة تزكية أكثر من مترشّح واحد.

حيث يعدّ هذا الشرط تعجيزيا على مستويين الأول المستوى التقني والعملي فإن أخذنا مثال دائرة انتخابيّة مثل دائرة الأمريكيّتين التي تتكوّن من جميع دول القارّة الأمريكيّة التي تتواجد بها ببعثات دبلماسيّة تونسيّة، كيف من الممكن في ظرف أقلّ من شهر على مترشّح أن يجمع امضاءات 400 شخص معرّفة وباحترام النتاسب الذي نصّ عليه الفصل، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى اذا أخذنا مثال دائرة انتخابيّة داخل تراب الوطن، يتقدّم فيها للانتخابات فقط 20 شخصا أي ما لا يقلّ عن 8000 مزكّي في أقلّ من شهر. فكيف سيكون ذلك ممكنا لوجستيا في عمل البلديات من ناحية وفي عمليّة التثبّت فيما بعد في أن المزكّي لم يزكّي أكثر من شخص خاصة وأن لنا سوابق في هذه المسألة شملت سابقا حتى تزوير تزكيات بعض النوّاب في الانتخابات الرئاسيّة الفارطة.

أما المستوى الثاني وهو الأهم فالتزكيات غير ممكنة الا من ناخبات وناخبي الدائرة في حين أن تمثيليّة النائب وطنيّة وكان من المفروض عدم التنصيص بأن تكون التزكيات مرتبطة بالتقسيم الترابي لأن النائب حال دخوله المجلس التشريعي يصبح ممثلا للشعب بأكمله وليس ممثّلا لمنطقته الترابيّة بحكم أنه سيعدّ تشريعات للوطن بأسره.

بالاضافة لكون هذه الحواجز غير معقولة وغير قابلة للتحقيق فإنها تعدّ حواجز مانعة لممارسة حقّ أساسيّ في المشاركة في الحياة العامة والسياسيّة، بإعتبار أن هذه الشروط لا يمكن أن تتوفّر الّا لدى الأشخاص المدعومين سياسيّا أو اديولوجيّا على عكس ما روّج له رئيس الجمهوريّة من فتح للمجال العام أمام عموم المواطنات والمواطنين. إذ أن تجميع هذه التزكيات سيصبح حكرا إما على الدوائر الماليّة القانونيّة أو الموازيّة، وإما على دوائر الوجاهة القبليّة أو العشائريّة أو العائليّة.

  • تقسيم اعتباطي للدوائر الانتخابيّة

يعد التقليص في عدد مقاعد المجلس التشريعي من 217 نائبا الى 161 مقعدا، حيث حُدّد العدد الجمليّ للدّوائر الانتخابيّة بـ161 دائرة، تتوزّع على 151 دائرة داخل تراب الوطن و10 دوائر في الخارج، من أبرز التعديلات التي أتى بها المرسوم 55 لسنة 2022. وهو ما فرضه نظام الانتخاب على الأفراد الذي يفترض دوائر انتخابيّة صغيرة. لكن هذا التقسيم لم يرتكز على أي من الضوابط والقواعد العلميّة لتحديد الدوائر الانتخابيّة باعتبار أنه لم يأخذ بعين الاعتبار التمثيل الديمغرافي. إذ نجد مثلا حسب قائمات الناخبين الأولية، بتاريخ 15 جوان 2022 بالداخل والخارج، المنشورة بموقع هيئة الانتخابات، أن دائرة الكباريّة ذات 52207 ناخبا ستتحصّل على مقعد في المجلس النيابي متساوية مع دائرة قرقنة التي ستتحصّل أيضا على مقعد في حين أن عدد الناخبين فيها هو 13404 أي ربع عدد الناخبين في دائرة الكبّاريّة.

لم يتوقّف الأمر حدّ عدم الأخذ بالمعطى الديمغرافي بل أيضا المعطى المجتمعي والسوسيولوجي للمعتمديّات التي تمّ ضمها ضمن دائرة انتخابيّة واحدة لتمثّل بمقعد واحد في المجلس التشريعي وهو ما سيخلق غياب تمثيليّة لبعض المعتمديّات. فمثلا ستمثّل كلّ من معتمديّة أم العرائس والرديّف والمتلوي والمضيلة وسيدي بوبكّر بمقعد واحد في المجلس باعتبار أنهم يشكّلون دائرة انتخابيّة واحدة. فإن أخذنا بعين الاعتبار أن المتلوّي هي الأكبر من حيث عدد الناخبين فيمكن أن نجد مرشحي الدور الثاني من الانتخابات من المتلوّي وبالتالي ستكون نسبة مشاركة بقيّة المعتمديّات ضعيفة أو منعدمة بإعتبار عدم وجود شخص يمثّلهم في هذا الدور.

  • سحب الوكالة أداة الابتزاز الجديدة للنوّاب

مكّن القانون الانتخابي الجديد من آليّة سحب الوكالة (الفصل 39 جديد) من النّائب في دائرته الانتخابيّة في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابيّة أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدّم به عند الترشّح.

لكن هذه الإضافة تبقى اضافة مبهمة باعتبار أنها تحتوى على مفاهيم غير موضّحة ومفسّرة بشكل يجعل منها قابلة للتحقيق فعلى سبيل المثال: كيف يمكن اعتبار أن هناك تقصيرا بيّنا كما جاء في النص أو كيف سيتمّ تكييف مفهوم عدم بذل العناية المطلوبة لينص المرسوم على أن عريضة سحب الوكالة تقدّم معلّلة وممضاة من قبل عٌشٌر النّاخبين المسجّلين بالدّائرة الانتخابيّة التي ترشّح بها النّائب المعني إلى الإدارة الفرعيّة للانتخابات المختصّة ترابيّا. لتختصّ الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في النظر في قبول أو رفض العريضة مع امكانيّة طعن أحد الطرفين فيه لدى الدائرة الابتدائيّة المتفرّعة عن المحكمة الاداريّة.

فكيف للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات البتّ في التقصير أو عدم القيام بالواجبات لتحقيق البرنامج الانتخابي؟ والحال أن الهيئة ليس لها أي دور سياسي بل يقتصر دورها على الدور التقني أي التثبّت في الوثائق اللازمة لتقديم عريضة سحب الوكالة في حين أن المرسوم يفردها بالنظر في القبول أو الرفض للعريضة ما يفرض عليها النظر في المضمون وتكييفه وهو لا يمكن أن يكون بأي حال دورها.

كما أن هذه الآليّة ستفتح كذلك الباب أمام عدم استقرار السلطة التشريعيّة باعتبار أن سحب الوكالات لن يخضع الى شروط واضحة بل لتوازن في القوى الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والماليّة وبذلك يصبح مصدرا لابتزاز النائب عوضا عن البحث عن مساءلته ومراقبته.

وفي حال قبول عريضة سحب الوكالة تحدّد الهيئة موعدا لتصويت النّاخبين عليها في الدائرة المعنيّة بمقتضى قرار يحدّد رزنامة عمليّة التّصويت. ويتمّ نشر هذا القرار في أجل لا يتجاوز الستّين يوما.
وتتمّ فيما بعد دعوة النّاخبين المسجّلين بالدّائرة الانتخابيّة المعنيّة بمقتضى أمر إلى التّصويت بالموافقة أو بالرّفض على سحب الوكالة من النّائب المعنيّ. على أن تعتبر نتيجة الأغلبيّة المطلقة للمقترعين على سحب الوكالة من النّائب المعنيّ، نتيجة تعلن شغور المقعد النّيابيّ فور إعلان الهيئة عن النّتائج النّهائيّة لعمليّة التّصويت.

وان حصل ذلك تضبط الهيئة موعدا للانتخابات التّشريعيّة الجزئيّة لسدّ الشّغور في الدّائرة الانتخابيّة المعنيّة في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر.

وهذا يعني أن الهيئة محمولة على أن تنجز عمليّتين انتخابيّتين لتعويض النائب المسحوب منه الثقة، الأولى خلال التصويت على الموافقة أو رفض سحب الوكالة والثانية انتخابات جزئية لسدّ الشغور التي تخضع لنفس شروط الترشّح الأوّل من جمع للتزكيات وغيرها وهو ما سيرهق كاهل الهيئة تقنيا وماديّا خاصة وان ترافقت وتزامنت هذه العمليّة في أكثر من دائرة انتخابيّة في نفس الوقت.

  • استثناء المرشّح للرئاسة من العقوبة في حال تلقّيه تمويل أجنبي

تم التشديد في العقوبات في ما يتعلّق بالجرائم الانتخابيّة ( الفصل 161) حيث تم تعديل العقوبة المتراوحة بين 6 أشهر و3 سنوات وبخطيّة ماليّة من ألف الى 3 آلاف دينار كلّ شخص ثبت قيامه بتقديم عطايا نقديّة أو عينيّة قصد التّأثير على النّاخب، أو استعمل نفس الوسائل لحمل النّاخب على الإمساك عن التصويت سواء كان ذلك قبل الاقتراع أو أثناءه أو بعده، بعقوبة بالسّجن من سنتين إلى خمس سنوات وبخطيّة ماليّة من ألفين إلى 5 آلاف دينار.

كما تم اضافة وجوبيّة فقدان المترشّح لعضويّته بمجلس نوّاب الشّعب وحرمانه من حق الترشّح مدى الحياة في هذه الحالة. كما تقضي بحرمان النّاخب المستفيد من العطايا من حقّه في الانتخاب لمدّة عشر سنوات كاملة بداية من صدور الحكم النّهائي بالإدانة.

من جهة أخرى تم اضافة فصل 161 مكرّر ينصّ على عقاب بالسّجن من سنتين إلى خمس سنوات لكل مترشّح يتعمّد النّيل من عرض مترشّح آخر أو كرامته أو شرفه أو من انتمائه الجهويّ أو المحليّ أو العائليّ. ويُمكن للهيئة في حال ثبوت ذلك إلغاء الأصوات التي تحصّل عليها.

لكنّ صياغة هذا الفصل 163 جديد المتعلّق بتحصّل المترشّح على تمويل أجنبي أو مجهول المصدر فيأتي في فقرته الأولى على أن المستفيد يدفع خطيّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفا لمقدار قيمة التمويل. لكن في فقرته الثانية يضع عقوبة السجن والحرمان من الترشّح فقط لأعضاء المجالس ولا يسحب هذه العقوبة على المترشّحين لرئاسة الجمهوريّة. حيث تقول الفقرة الثانية من الفصل 163 جديد ” ويفقد المترشّح المتمتّع بالتّمويل الأجنبي أو مجهول المصدر عضويّته بالمجلس المنتخب، ويعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات، ويحرم وجوبا من الترشّح لأيّ انتخابات قادمة من تاريخ صدور الحكم بالإدانة”. وهنا استنادا لقاعدة “لا وجود لعقوبة دون نص” وباعتبار أن رئيس الجمهوريّة ليس عضوا في مجلس ليفقد عضويّته فيه، فهو غير مشمول بالفقرة الثانيّة المتعلّقة بالعقوبات في حال حصوله على تمويل أجنبي أو مجهول للمصدر.

  • سدّ الشغور بالمجلس النيابي والحلّ الوحيد انتخابات جزئيّة

أما المستجدّ عند الشّغور النهائيّ (الفصل 34) لأحد المقاعد بمجلس نوّاب الشّعب فهو القيام بتنظيم انتخابات تشريعيّة جزئيّة في الدّائرة المعنيّة في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ معاينة الشّغور. ولم يعد من الممكن تعويض للمترشّح، كما كان عليه الأمر، بمترشّح من القائمة الأصليّة مع مراعات الترتيب.

كما تم اضافة فقدان العضويّة بموجب سحب الوكالة والذي سيعدّ شغورا نهائيا موجب للقيام بتنظيم انتخابات تشريعيّة جزئيّة لتعويض العضو المسحوب منه الوكالة. وهو ما سيجعل المجلس أعرجا في حال شغور يشمل عددا من النوّاب بسبب سحب الوكالة.

  • الغاء التمويل العمومي وامالة الكفة لأصحاب المال

أهم ما امتازت به التعديلات التي شملت تمويل الحملات في المرسوم الجديد (الفصل 75) هو الغاء التمويل العمومي والحفاظ فقط على امكانيّة التمويل الذاتي والخاص. سيميل هذا التعديل الكفّة لصالح الشبكات الماليّة والعشائريّة على عكس ما أريد منه بتخفيض تكلفة الانتخابات. حيث سيتمكّن أصحاب المال والجاه من تمويل حملاتهم الانتخابيّة وخاصة من يملكون امكانيّات تمويل حملاتهم عن طريق الاقتصاد الموازي في حين لن يتمكّن الناخبون الأقلّ حظّا من مجابهة مثل هذه الوضعيات دون تمويل عمومي يوفّر لهم الأدنى.

  • مرسوم تسرّبت له أخطاء في اختصاص الدوائر حول النزاعات الانتخابيّة

أسند الفصل 27 اختصاص البتّ في النزاعات في الطور الابتدائي الى الدوائر الجهويّة المتفرّعة عن المحكمة الاداريّة، والمقصود هنا 12 دائرة محدثة متفرّعة عن المحكمة الاداريّة في الجهات منذ 2017، وبالتالي يطرح هنا اشكال كبير، كون اختصاص هذه الدوائر لا يشمل كلّ تراب الجمهوريّة. فنجد مثلا أن قرارات النزاعات المتعلّة بالهيئات الفرعيّة لتونس الكبرى (بكلّ دوائرها) هي من المفروض أن تكون من اختصاص الدوائر في تونس (15 دائرة ابتدائيّة للمحكمة الاداريّة في تونس العاصمة) لكن المرسوم أسند الاخصاص لهذه الدوائر فقط للنظر في النزاعات المتعلّقة بالدوائر الانتخابيّة في الخارج ولم يشمل اختصاصها بالنص في النظر في نزاعات الدوائر الموجودة في كلّ من تونس وبن عروس ومنّوبة وأريانة. وبإعتبار أنه من غير الممكن التأويل في اختصاص المحاكم، فحسب نص هذا المرسوم لا يوجد جهة مختصّة في النظر في كل النزاعات الانتخابيّة التي ستحصل في تونس الكبرى. ولم يترك المرسوم المجال للتأويل هنا باعتبار أنه لم يتحدّث عن محاكم بل على دوائر الجهويّة فقط.

  • الفصل 104: تعذّر اجراء الانتخابات وعدم مطابقة الرأي مع الهيئة

تم تعديل الفصل 104 من القانون الانتخابي ليتلاءم وتغيير الفصول الجديدة من الدستور وليحيل على الفصل 96 من دستور 2022، في حال تعذّر إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد بسبب خطر داهم ليتمّ الإعلان عن تأجيلها ويحيل على الفصلين 63 و90 من الدستور في حال اقتضى التأجيل التّمديد في المدّة الرئاسية أو النيابيّة لتولّى مجلس نوّاب الشّعب التّمديد. لكن الاضافة في هذا الفصل ألغت مبدأ التطابق في الدعوة للانتخابات بعد التمديد بين رأيي رئيس الجمهوريّة والهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. لتتحوّل الفقرة الثالثة من هذا الفصل الى “تتمّ الدّعوة للانتخابات بعد التّأجيل بأمر بعد استشارة الهيئة” عوض ” تتمّ الدّعوة للانتخابات بعد التمديد بأمر رئاسي بناء على رأي مطابق للهيئة”. وهو ما سيعطي لرئيس الجمهوريّة وحده تحديد ما سينصّ عليه الأمر حتى وان اختلف ذلك مع رأي الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، وهو ما يبرز كذلك مزيد تهميش دور الهيئة.