3 نوفمبر 2022

اقترن الحقّ في الانتخاب مع ظهور الفكرة القائلة بأنّ الحكومات الديمقراطيّة هي الوحيدة التي يُمكن اعتبارها حكومات ذات مشروعيّة. خاصّة إثر التطوّر التاريخي الذي عرفه الاقتراع العام الذي كان مُنحصرا في القدم لصالح الفئات المُتفوّقة اجتماعيّا من النُبلاء والعلماء، ليشمل في بداية هذا التطوّر جميع الشرائح الاجتماعية من الرجال، فيتمّ تعميمه فيما بعد على النساء. إثر الـتأكيد المُتدرّج تاريخيّا على مبادئ المساواة والفرديّة وعموميّة الحقوق السياسيّة.
يمتزج الاقتراع العامّ اليوم مع سيادة الشعب، ليُصبح المُعبّر الأساسي عن المُساواة بينهم. حيثُ تمّ الانتقال من تنظيم اجتماعي تفاضلي إلى تنظيم اجتماعي بديل يقوم على المُساواة بين جميع الأفراد[1]. ليتمّ فيما بعد تطوير هذا الحقّ وبلورته بما يتماشى مع الفلسفة السياسيّة والاجتماعية للدُول ومطامح الطبقات السياسيّة الحاكمة.

تندرج العمليّة الانتخابية التي تتضمّن مجموعة القواعد القانونيّة والإجرائيّة التي تُؤدّي بصفة أساسيّة إلى اختيار الحُكّام من قبل المحكومين، ضمن ما يُسمى بالقانون الانتخابي.

ويُشكّل القانون الانتخابي مجموعة القواعد التي تُعرّف بصفة الناخب وتُبيّن نظام الاقتراع المُعتمد، وتتولى أيضا ضبط طريقة القيام بعمليّة التصويت[2] وتقسيم التراب الوطني إلى دوائر انتخابيّة واعتماد طريقة لتوزيع المقاعد (توزيع المقاعد حسب الأغلبيّة أو حسب التوزيع النسبي).

وبالرغم من تأكيد البعض عن الدور الذي يلعبه القانون الانتخابي في ترجمته لنظام الحكم الذي تمّ اقراره في وثيقة الدستور إلى آليات عمليّة تُسمى نظام الاقتراع، لتكون القاطرة نحو إقرار نظام الحكم وتنزيله واقعيّا. إلّا أنّ هذه العلاقة ليست بمثل هذه المُباشرتيّة، فالنظام السياسي يُمكن له أن يتأقلم مع أكثر من نظام اقتراع. في حين يُؤثّر خيار نظام الاقتراع المُعتمد في المنظومة السياسيّة بصفة عامّة، وحتّى في النظام السياسي نفسه. ومن هنا نستخلص إحدى الأهمّيات البارزة لنظم الاقتراع وتأثيرها على النُظم السياسيّة.

على مُستوى الأدبيات السياسيّة، يُعدّ النظام الانتخابي آليّة رئيسيّة تتحكّم في كيفيّة اشتغال مُؤسّستيْ السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة، مهما كانت طبيعة نظام الحكم المُعتمد ومهما كانت اختصاصات كلّ منها المضبوطة بمنطوق الأحكام الدستوريّة.[3] أمّا على المُستوى التطبيقي – العملي، فإنّ ضمان حسن الاختيار لنظام الاقتراع الأنسب لنظام الحكم قد يُؤدي أحيانا إلى ضمان تركيز مؤسسات الحكم في الدولة على الوجه الصحيح والمطلوب، وبالتالي إلى خلق نسبي للاستقرار والنجاعة السياسيّة المرجُوّة.

لذلك ارتأينا من خلال هذا المقال التحليلي الوقوف عند إيجابيات وسلبيات نظام الاقتراع الذي تمّ اعتماده بعد سنة 2011، ومُقارنته من حيثُ الجدوى والمضمون مع نظام الاقتراع الذي أقرّه رئيس الجمهوريّة. وذلك قصد دفع النقاش الفكري والسياسي للوقوف عند مواطن النقص ومُختلف الإخلالات التي تضمّنها المرسوم الانتخابي الجديد.

المحطات الكُبرى في تنزيل القانون الانتخابي

في تونس، وبعد سقوط نظام بن علي إثر انتفاضة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011. طالب المُحتجون في اعتصام القصبة 1 بالقطيعة النهائيّة مع مؤسسات الحكم القائمة في فترة الاستبداد وانهاء وجودها المادي والقانوني، والذهاب نحو انتخاب مجلس وطني تأسيسي يتولى صياغة دستور جديد للبلاد ووضع نظام حكم يتلاءم مع متطلبات الثورة.[4]

تولّت حينها الهيئة العُليا لتحقيق أهداف الثورة مُهمّة الإعداد لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، عبر تركيز لهيئة مُستقلة للانتخابات والإعداد لقانون انتخابي جديد. خاض حينها أعضاء الهيئة نقاشات ماراطونيّة نظرا لتباين الآراء والمواقف صلبها حول نظام الاقتراع الأنسب للانتخابات.

وحيثُ أنّ جلّ الأدبيات السياسيّة كانت ترتكزُ حول نظامين أساسيين هما نظام الاقتراع على القائمات، ونظام الاقتراع على الأفراد، إلى جانب النظام المُختلط. فإنّ الاتفاق داخل مجلس الهيئة العُليا لتحقيق أهداف الثورة تمحور حول الإقرار بنظام الاقتراع على القائمات، مع توزيع المقاعد باعتماد التمثيل النسبي مع احتساب أكبر البقايا ودون اعتماد عتبة انتخابيّة.[5]

ساهمت عمليّة الاتفاق حول هذا النظام الانتخابي -الاقتراع النسبي على القوائم باعتماد قاعدة أكبر البقايا ودون التنصيص على عتبة انتخابيّة- إلى افراز مجلس وطني تأسيسي تعدّدي ومُتنوّع، وهو ما فرض قليلا من التواضع السياسي لدى الحزب الفائز بأغلبيّة المقاعد البرلمانية ودفعه نحو إيجاد تحالفات سياسيّة، والذهاب نحو التوافق مع مُختلف الفاعلين، حتى يضمن المُصادقة على القوانين وحسن سير العمل داخل المجلس. وهو ما حقّق نسبيّا مبدأ التشاركيّة وقلّص من امكانيّة التغوّل والانفراد بالقرار في رسم وبناء معالم نظام الحكم الجديد.

لكن مثلما ذهب مُعظم الدارسين والمُحلّلين للنظم الانتخابية إلى أنّ جلّ طرق الاقتراع غير مُحايدة بطبيعتها[6]، وأنّ وُجود نظام انتخابي نمُوذجي يكون صالحا لكافّة الديمقراطيات أمرٌ مستحيل، حيثُ أنّ فلسفة الاختيار يجب أن تقوم على دراسة مُعمّقة وشاملة للطبيعة السوسيولوجيّة، الديمغرافيّة، الجغرافيّة والثقافيّة للدُول، والتصوّر القائم لنظام الحكم فيها. فإنّه وبالقياس على ذلك، ذهب البعض إلى اعتبار أنّه لا يُمكن لنا الاعتماد على نظام انتخابي وُضع لمُقتضيات المرحلة التأسيسيّة وسحبه على مرحلة الحُكم والبناء. إلّا أنّ نُواب الشعب وقتها خيّروا الإبقاء على نفس النظام الانتخابي.[7]

قد يُفسّر هذا الابقاء بالفترة العصيبة التي مرّت بها البلاد في تلك المرحلة، وما اتّسمت بها من احتدام للصراعات السياسيّة والهوويّة وسواد حالة عدم الاستقرار السياسي وعودة الناس إلى الشارع قصد التصدّي لمحاولات الانحراف بمكتسبات الثورة. وبالتالي وجدت الترويكا الحاكمة نفسها في حالة غليان ومُعارضة من خارج أسوار البرلمان، عزّزت صُفوفها منطق الهُواة الذي أديرت به البلاد وقتها. فكان خيار حركة النهضة الإبقاء على نظام الاقتراع لكونه خدمها في فترتيْ التأسيس والحكم، حيثُ أنّ استحالة تشكّل أغلبيّة برلمانية حاكمة تقُود السلطة التشريعية والحكومة همّش إحدى أهمّ ركائز الديمقراطيات وهي المُحاسبة السياسيّة.

باعتبار أنّ توزّع إدارة الحكم بين أكثر من حزب أزاح عنها تحمّل مسؤوليّة نتائجه، وهو ماعبّرت عنه العديد من قيادات الحركة التي تقلّدت مناصب سياسيّة عُليا في تلك الفترة ردّا على النقد اللاذع الذي وُجّه لهم خلال فترة توليهم حكم البلاد، مُعتبرين أنّ الشعب التونسي لم يُمكّنهم من الأغلبيّة المطلوبة للحكم.

طالب العديد من الخُبراء والفاعلين السياسيين بضرورة تنقيح القانون الانتخابي وادراج عتبة انتخابية تُمكّن الحزب الفائز من تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي نال على أساسه ثقة الناخبين، وتضمنُ في نفس الوقت مشهدا سياسيّا مُتنوّعا تلعبُ فيه المُعارضة دورا هامّا في التنسيب وتعديل كفّة الحُكم. إلّا أنّ جميع مُحاولات الإصلاح باءت بالفشل نتيجة الذهاب إليها إمّا لمُعاقبة الخُصوم السياسيين أو لمزيد تدعيم مكانة الحزب الفائز.

ليتولى رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد الشروع تدريجيّا في نسف أولى مُكتسبات البناء الديمقراطي الجديد، عبر تجميده لعمل البرلمان في مُناسبة أولى ثمّ حلّه، والشُروع في التأسيس لمرحلة سياسيّة جديدة اختار الذهاب إليها بتصوّر أقصى فيه جميع الأطراف السياسيّة والمدنيّة المُطالبة بتقديم اجابات واضحة وقطعيّة حول وجاهة النظام السياسي الذي ينوي رئيس الجمهورية تنزيله واقراره في مسار فردي. ليتولى إثر سنّه دستور جديد للجمهورية التونسية بعد تعليقه للدستور الذي سنّه المجلس الوطني التأسيسي، اصدار مرسومه الانتخابي المُنقّح والمُتمّم للقانون الأساسي المُتعلّق بالانتخابات والاستفتاء.

إنّ الهدف وراء هذا السرد الذي قُمنا من خلاله بالوقوف عند بعض أبرز المحطّات السياسيّة التي تمّ فيها النقاش أو المبادرة لإصدار أو تنقيح القانون الانتخابي. هو دحض للتوجّه الذي يرمي من خلاله مُنتسبيه إلى حصر القوانين الانتخابيّة في الحقل القانوني الصرف، واعتباره تقنية لتنظيم الانتخابات وتوزيع المقاعد. مُتجاهلين في ذلك أنّ عمليّة اختيار نُظم الاقتراع تخضع في العديد من الأحيان إلى نقاش فكري وسياسي عميق يُتناول فيه مُختلف الجوانب السوسيولوجية والثقافية والسياسيّة وأحيانا الهوويّة في الدُول لمعرفة أي نظام اقتراع يكون مُلائما لها.

نظام الاقتراع السابق، الإخلالات والإصلاحات المُمكنة

نصّ الفصل 107 من القانون الأساسي المُتعلّق بالانتخابات والاستفتاء[8] على أنّه: “يُجرى التصويت على القائمات في دورة واحدة، ويتمّ توزيع المقاعد في مُستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا.” ويعتمدُ نظام التصويت على القائمات حزبيّة كانت أو مُستقلّة أو ائتلافيّة بالتمثيل النسبي بأكبر البقايا، في حُصول القائمة المُترشحة على عدد من المقاعد في البرلمان يُعادل قيمة المقعد في الدائرة الانتخابيّة المُترشّح فيها. على أن تُوزّع بقيّة المقاعد في تلك الدائرة والتي لم تُوزّع على أساس الحاصل الانتخابي، باعتماد قاعدة أكبر البقايا.

ضَمِن هذا النظام الانتخابي الذي سنّته هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وأقرّ الإبقاء عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي أثناء صياغته للقانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء سنة 2014، اكساء الفضاء السياسي التونسي بتعدديّة حزبيّة هامّة تُعبّر عن مُختلف قناعات وأفكار الشعب التونسي. مع توسيع حقّ الترشّح لطيف كبير من التشكّلات السياسيّة سواء منها الحزبيّة أو المُستقلّة، وتحقيق لمبدأ التمثيل السياسي وحريّة التعبير السياسيّة.

كذلك فإنّ عمليّة الانتخاب على القوائم جعلت من طبيعة العلاقة بين الناخب والمُترشّح علاقة سياسيّة تقوم على مدى وجاهة برنامجه الانتخابي وقدرته في الإجابة على إشكالات الواقع وإيجاد تصوّرات وحلول لها. وهو ما يرتقي بالعمليّة الانتخابيّة من المُنطلقات الفردانيّة والجهويّة إلى منطلقات البرامج والطرح الفكري والسياسي العميق. كل هذا وإن كان غائبا على المشهد السياسي والحزبي في مختلف العمليات الانتخابية التي شهدناها، أين طغت مظاهر الاستقطاب الحادّ والانحراف بالنقاش السياسي من نقاش حول البرامج والطرح السياسي والايديولوجي، إلى نقاش حول شُخوص المُترشحين وقدرتهم على التمكّن من تطويع آليات الاتصال السياسي. ليتحوّل فضاء الفعل السياسي إلى فضاء مشهدي تُحدّد مدى نجاعته ونجاحاته القدرة على اخراج الصورة التي يستسيغها المُتلقي.[9]

إلّا أنّ هذه الأخطاء يتحمّلها العديد من المُؤثّثين في المشهد السياسي، نتيجةً لهشاشة الأحزاب السياسيّة التي لم تجد فضاءً للمُراكمة والتشكّل سوى إثر سقوط نظام بن علي وبداية تحرير الفضاء العام من أيدي الاستبداد والتسلّط. وبالتالي فإنّ فترة الانتقال الديمقراطي مثّلت بالنسبة لها ولجزء كبير من مؤسسات الدولة التي تمّ احداثها ضمن ذلك المسار، مُختبرا حقيقيّا لمُراكمة الفعل السياسي لحق عهدا طويلا من التصحّر والقمع. كما كان من الصعب كذلك على المشهد الإعلامي الانتقال دفعة واحدة من الدور الهامشي والمُعتّم إلى فضاء جديد تكسُوه قيم التعدديّة والحريّة. بالإضافة إلى عدم استكمال بناء الإطار التشريعي والمؤسّساتي المُنظّم له.

بالرجوع إلى النقاشات التي خاضها أعضاء مجلس هيئة تحقيق أهداف الثورة لاختيار نظام الاقتراع الأنسب، نُلاحظ أنّ الاتفاق نحو اعتماد نظام الاقتراع السابق كان مردّه تحقيق لأوسع تمثيليّة مُمكنة داخل المجلس التأسيسي وضمان صُعود الترشحات الفرديّة والمُستقلّة، مع وضع حدّ لإمكانية تغوّل حزب حركة النهضة وافتكاكه لأغلب مقاعد المجلس الوطني التأسيسي. اعتبارا بأنّ المهام المُوكلة للمجلس من صياغة دستور جديد للبلاد ووضع لأعمدة الحكم الجديدة، يجبُ أن يستجيب لعدالة التمثيل.

فتُساهم في وضعه مُختلف الشرائح الاجتماعية وجلّ الروافد الفكريّة والسياسيّة. حتى يكون دستورا يستجيب للمطلبيّة الاجتماعية والسياسيّة التي طالب بها الشعب التونسي شتاء ديسمبر – جانفي 2011.
إلّا أنّ خصوصية فترة التأسيس تختلف جذريّا مع خصوصيّة مرحلة الحكم، باعتبار أنّ هذه الأخيرة تتطلّب حدّا أدنى من الاستقرار من أجل تركيز مؤسّسات الحكم وتنفيذ برامج الأحزاب التي نالت ثقة الناخبين.

تتجلّى العوائق التي طغت على المشهد البرلماني في تونس منذ سنة 2014، في تعطّل آليات إدارة الحكم في البلاد طيلة السنوات الأخيرة، أو في انتخاب أعضاء الهيئات الدستورية أو التجديد النصفي في تركيبة مجلسها. فكُلّما تعطّل التوافق تعطّلت معه عمليّة إرساء هذه الهيئات، وهو ما أوصل البعض منها إلى سُقوط الآجال الدستورية لتكوينها وارساءها نتيجة فشل إيجاد التوافق بين الكُتل النيابيّة، لتغليب منطق المُحاصصة الحزبيّة ومُحاولة تدجين هذه الهيئات بأعضاء مُوالين أو قريبين لتلك الكُتل البرلمانيّة (المحكمة الدستورية: مُرور أكثر من خمس سنوات وتسعة أشهر على الآجال الدستورية المُحدّدة لإرسائها). إضافة إلى استحالةالاقتراع[10]. حيثُ تبقى عمليّة تشكيل الحكومات رهينة الاتفاقات السياسيّة التي يُجريها قادّة وزعماء الأحزاب السياسيّة من خارج المؤسّسات الرسميّة للحكم. وأحيانا ما يتمّ تصعيد لشخصيات لا وزن انتخابي لها لتُعهد لها مُهمّة قيادة المناصب السياسيّة العُليا في البلاد.[11] إلى جانب ذلك، تعطّل العديد من الأدوار الأخرى للسلطة التشريعيّة، سواء في جمع الأغلبيّة اللازمة للمُصادقة على مشاريع القوانين الأساسيّة التي تستوجب مُوافقة الأغلبيّة المُطلقة لأعضاء المجلس أو في النجاعة المطلوبة لمُناقشة مشاريع القوانين المعروضة صلب اللجان المُختصّة في النظر.

دفعت حالة التعطّب تلك وغياب للنجاعة والمردوديّة النيابيّة مع تواصل نزيف التشرذم وعدم استقرار المشهد البرلماني، إلى التفكير نحو تنقيح القانون الانتخابي عبر القيام ببعض الإصلاحات التي من شأنها أن تضمن حدّا أدنى من الأغلبيّة القادرة على الحُكم مع المُحافظة على مبدأ التعدديّة. وكانت أولى هذه المُبادرات مشروع قانون تقدّمت به حكومة يوسف الشاهد سنة 2019 قبل بضعة أشهر من تاريخ انتخاب أعضاء البرلمان للعهدة النيابية الثانية، تضمّن هذا المشروع عتبة انتخابية بـ 5 % على مُستوى الدائرة، بالإضافة إلى تعديلات عديدة مسّت من شروط الترشّح. اعتبرت أنّها قد حيكت على مقاس قوى سياسيّة مُعيّنة قصد اقصاءها ومنعها من الترشّح، وأنّ ادراج للعتبة الانتخابية سيكون له تأثير على المشهد البرلماني وضرب للتعددية الحزبيّة والسياسيّة[12].

صادق البرلمان على مشروع هذا القانون بعد التنزيل من نسبة العتبة إلى 3%، لكنّ الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي امتنع عن ختمه.[13] لتُطرح فكرة التعديل من جديد خلال الدورة الأولى من العُهدة البرلمانية الثانية 2019-2024، بمُقترحيْن تقدمت بهما كلّ من كُتلة حركة النهضة وكتلة ائتلاف الكرامة[14]. شرع حينها المجلس بالنظر في المُقترحين في لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية. تخلّلت عمليّة النظر تلك جملة من الاستماعات للهيئات المُختصّة ولمكونات المُجتمع المدني التي تشتغل في الحقل الانتخابي، والتي تقدّمت بدورها بمقترحات عديدة حول مُختلف جوانب القانون الانتخابي ونُظم الاقتراع. ليبقى هاذين المُقترحين في الأخير بين رفوف مجلس نواب الشعب. بعد أن قرّر رئيس الجمهورية تجميد أعماله في 25 جويلية 2021 قبل أن تتمّ إحالتهما للنظر والمصادقة صلب الجلسة العامة للمجلس.

إنّ تحميل نظام الاقتراع القائم وحده مسؤوليّة التشتّت البرلماني يُعدّ موقفا يحتاج إلى الكثير من التنسيب، فاعتبار أنّ التعدديّة الحزبيّة داخل البرلمان تسبّبت في تشتّته وعدم نجاعة العمل داخله يُمثّل خطابا مُهيمنا هدفه تمرير لسرديّة تسلطيّة تدفع نحو تغيّير نظام الاقتراع النسبي واستبداله بنظام الاقتراع الأغلبي، في حين أنّ مُعظم الديمقراطيات في العالم تحكمها ائتلافات برلمانيّة تتشكّل من عدّة أحزاب.

بالرجوع إلى العُهدتين البرلمانيتين[15]، نرى أنّ المشهد البرلماني إثر انتخابات 2014 لم يكن يُعاني في بداياته مُطلقا من حالات التشتّت، بل حصل ذلك بفعل انقسام كتلة نداء تونس[16]الكتلة الحاصلة على أكبر عدد من مقاعد البرلمان. أمّا بالنسبة لبرلمان 2019، فإنّ ضعف الأحزاب السياسيّة واحتقان الأوضاع بينها إلى حدّ التبادل لشتّى أنواع العنف ومُمارسة جلّ أنواع الاقصاء دفع نحو التشتّت وتوتّر الأوضاع داخله.

كان من المُمكن تجاوز مُختلف هذه الأمراض التي حطّت من قيمة البرلمان، لا عبر مُحاولات تنقيح القانون الانتخابي بمنطق تُغذيه الغنيمة والمُغالبة السياسيّة. وإنّما من خلال تحديد مواطن النُقص والخلل صلب النظام الانتخابي. كتغيير طريقة توزيع المقاعد من نظام أكبر البقايا إلى نظام أكبر المُتوسطات أو بإقرار عتبة وطنيّة تُساهم في الحدّ من صُعود الأطراف التي تبحث عن مزيد تدعيم نُفوذها المالي الغير مشروع عبر تعزيزه بالنفوذ السياسي وحصد جلّ الامتيازات التي تُوفّرها الصفة السياسيّة. مع المُحافظة على التعدديّة الحزبيّة تحت قبّة البرلمان.

مثّلت لحظة 25 جويلية 2021 مرحلة سياسيّة جديدة قرّر إثرها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الرّافض لنظام الاقتراع الذي اعتمدته هيئة تحقيق أهداف الثورة، الشُروع في تنفيذ مشروعه السياسي الجديد القائم على فكرة الاقتراع على الافراد في أضيق الدوائر قصد ضمان لتكريس فعلي لسيادة الشعب وممارسته للحكم بصفة مُباشرة.[17] وقد برزت جديّة نوايا الرئيس في الذهاب نحو البناء الجديد الذي ما انفكّ عن التبشير به وتعداد خصاله ومُميّزاته، في بعض الأسئلة الواردة في الاستشارة الإلكترونيّة التي تقدّم بها قيس سعيّد لاستفتاء الشعب حولها.

حيثُ طُلب من المُشاركين الاختيار بين نظام الاقتراع على الأفراد أو نظام الاقتراع على القوائم، مع أسئلة جوهريّة تُمثّل أحد أبرز المُقوّمات الأساسية لهذا المشروع وهي آليّة سحب الوكالة من النواب[18]. ليتمّ ترجمة مُخرجات هذه الاستشارة أوّلا في دستور جديد خطّه رئيس الجمهوريّة بمعزل تامّ عن المُقترحات التي تقدّمت بها اللجنة الاستشاريّة الصوريّة التي تولى بنفسه تكوينها وتعيّين أعضائها. وثانيا عند اصدار المرسوم المُتعلّق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء[19]، والذي وُضع بموجبه بعضا من ملامح نظام الاقتراع الجديد.

وهنا وجب لنا الإشارة لملاحظة تقنيّة هامّة، مفادها أنّ المرسوم الجديد أدخل تحويرات جوهريّة مسّت نظام الاقتراع القديم، طريقة الترشّح، طريقة تقسيم الدوائر الانتخابيّة، إلى جانب تكريس لآليّة سحب الوكالة من النائب. وبالتالي فإنّه من غير الصواب أن نعتبر أنّ هذا المرسوم قد جاء لتنقيح واتمام القانون الانتخابي. لأنّ عمليّة تنقيح القوانين لا تمسّ من جوهر النصّ. وإلّا فإنّه سيتمّ اعتباره قانونا جديدا يتمّ بمقتضاه الغاء القانون السابق. وهو ما فعلهُ رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد لكن بصفة ضمنيّة.

نظام الاقتراع على الأفراد، من أجل التجسيد الفعلي لأحلام الرئيس

لا يُمكن التطرّق للقانون الانتخابي الذي أصدره رئيس الجمهورية قيس سعيّد، دون ادراجه ضمن سياق أشمل يتعلّق أساسا بمجموعة المراسيم التي أصدرها في السابق والمُتعلقة بتنظيم بعض الجوانب الاقتصاديّة والتنمويّة في البلاد. من قبيل مرسوميْ الصلح الجزائي والشركات الأهليّة، إضافة إلى المراسيم المُنظمة للنظام السياسي القائم.

لوهلة أولى، إنّ المُتابع للخطاب السياسي لرئيس الجمهوريّة قيس سعيّد مُنذ الحملة الانتخابية لرئاسيات 2019 وُصولا إلى لحظة 25 جويلية 2022، يُدرك جيّدا أنّ التوجّه العام الذي يرمي رئيس الجمهوريّة إلى ارساءه، هو إعادة بناء النظام السياسي من القاعدة تحت مُسمّى “البناء القاعدي”. لكن هناك بُونٌ شاسع بين القول والفعل، يتجلّى أساسا في الدستور الجديد الذي بمقتضاه مُنحت صلاحيات مُعزّزة لفائدة السلطة التنفيذيّة مُقابل بقيّة السلط الأخرى.[20] كذلك في العلاقة بالشركات الأهليّة من خلال إعطاء صلاحيات مُوسّعة للسلطة التنفيذيّة على مُستوى المُراقبة والتمويل[21] والذي تمّ حصره في الأموال المُتأتية من الصلح الجزائي وتوزيعها الخاضع للجنة الصلح الجزائي المُعيّنة من قبل رئيس الجمهوريّة، مع تشريك صُوري للجهات.[22]

ومن هنا نتبيّن ضعف العقل السياسي لقيس سعيّد الذي يُراوح بين إرجاع المُبادرة السياسيّة إلى أصحابها الفعليّين على المُستوى الخطابي، وايغاله في مركزة السلطة في يده على مُستوى المُمارسة والتطبيق. لينبع قانونه الانتخابي من أعماق هذه التناقضات.

ضمن هذا السياق يندرج القانون الانتخابي، الذي حمل جملة من الخصوصيات (تقسيم جديد للدوائر الانتخابية، شرط تزكية المُترشحين، الانتخاب على دورتين، التقليص من عدد مقاعد البرلمان، احداث لآلية سحب الوكالة من النائب…) دون وجود أيّ مُرتكزات علميّة واضحة وأهداف تقف وراء تجسيد هذا الخيار..

يستوجب إقرار نظام الاقتراع على الأفراد الذهاب نحو احداث تقسيم جديد للدوائر الانتخابية، عكس ما كان معمول به ضمن نظام الاقتراع النسبي وذلك للاختلاف الجذري بين النظامين. فحين يتمّ الاعتماد على نظام الاقتراع على القوائم، تُسندُ المقاعد داخل كل دائرة انتخابية حسب وزنها الديمغرافي[23] باعتماد معيار اسناد مقعد وحيد لكلّ 60 ألف ساكن داخل الدائرة الانتخابية الواحدة، مع وُجود بعض المعايير والتفاصيل الأخرى، مثل اسناد مقعدين إضافيين لكل دائرة يتراوح عدد سكّانها بين مائتين وسبعين ألف وخمس مائة ألف ساكن، أي تلك الدوائر التي تُعاني من هشاشة سُكانيّة نتيجة لغياب المنوال التنموي وتواصل لسياسات التهميش والاقصاء على امتداد عُقود من الزمن. كذلك باسناد مقعد إضافي للدائرة التي تبيّن بعد تحديد عدد المقاعد المُخصّصة لها أنّ ضبط عدد الأعضاء يُفضي إلى بقيّة تفوق ثلاثين ألف ساكن.[24]

وبالتالي فإنّ هذا التقسيم يستجيب لمبدأي المساواة بين المُواطنين وعدالة التمثيل أمام صناديق الاقتراع، من خلال تكريس لمعيار التناسب بين الوزن الديمغرافي للدائرة وعدد النُواب المُمثلين لها وتدعيم تمثيليّة المناطق المُهمّشة داخل البرلمان.

وهو ما نلحظُ غيابه في التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية أين تمّ اهمال العامل الديمغرافي وأُحدث تقسيم جديد للدوائر الانتخابية بطريقة يسودها التفاوت وتغيب عنها جلّ المُرتكزات العلميّة والفلسفيّة المعمول بها في عمليّة تقسيم الدوائر الانتخابية.

فبالرجوع إلى القسم المُخصّص لضبط الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي وعدد المقاعد المُخصّصة لها، نُلاحظ وُجود تفاوت كبير بين الدوائر الانتخابية سواء بين الولايات أو داخل نفس الولاية. حيثُ تمّ تقسيم ولاية تطاوين إلى ثلاث دوائر انتخابيّة تُصعّد كل دائرة منها مقعد وحيد لمجلس نواب الشعب رغم التفاوت الفادح بين هذه الدوائر من حيثُ عدد السكان. إذ تظمّ الدائرة الانتخابية (تطاوين الشمالية وبني مهيرة والصمّار) ما يزيد عن ثمانين ألف ساكن (80463)، في حين لا يتجاوز عدد السكان في الدائرة الانتخابية (الذهيبة ورمادة) خمسة عشرة ألف ساكن (14630) أي أنّ المقعد الوحيد في الدائرة الانتخابية الأولى يُساوي خمسة أضعاف المقعد في الدائرة الانتخابية الأخيرة.

كذلك نرصد التفاوت الحاصل في ولاية مدنين، بين الدائرة الانتخابية (بني خداش) والتي تظمّ (25276) ساكن، في حين تمّ ضمّ معتمديّة جربة أجيم والتي تشمل تقريبا نفس عدد سكان معتمدية بني خداش (25085) مع معتمدية جربة ميدون، ليصبح عدد سكان المُعتمديتين معا يتجاوز الـ 98 ألف ساكن. بتفاوت يصل إلى أربعة أضعاف بين الدائرتين الانتخابيتين.[25]

أيضا تُمثّل كل من معتمديات (أم العرائس والرديّف والمتلوي والمضيلة وسيدي بوبكّر) دائرة انتخابية واحدة، فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مُعتمديّة المتلوي هي الأكبر من حيث عدد الناخبين. فيُمكن بالتالي أن نجد مُرشحيْ الدور الثاني من الانتخابات التشريعيّة ينحدرون من تلك المعتمديّة، وحتى في صورة وُصول مُرشّح من منطقة أخرى إلى الدور الثاني فإنّ نتيجة الاقتراع قد تكون محسومة مُسبقا بسبب الاختلال المناطقي. وهو ما قد يُأثّر على نسبة المُشاركة لبقيّة المعتمديّات والتي ستكون ضعيفة جدّا أو مُنعدمة لعدم وجود مُرشّح يُمثّلهم في هذا الدور. هذا ما يعكس الغياب التامّ للمُساواة في عمليّة تقسيم الدوائر، والتي تفترض تمثيليّة المُواطنين في المجلس النيابي عبر اسناد المقاعد بحسب عدد السكان داخل كلّ دائرة انتخابيّة.[26]

فتقسيم الدوائر الانتخابيّة يُمثّل عمليّة في غاية من الدقّة والحسّاسة، يجعل من الضروري قبل الشروع فيها إلى القيام بدراسات جديّة، ديمغرافية وجغرافية واجتماعية وسياسية، لمختلف الانعكاسات التي قد ترتبط بتقسيم ما للدوائر، فضلا عن أنّ التقسيم يجبُ أن يتمّ وفق المعايير الدوليّة، وأن تتوفّر فيه شروط الاتصال والتواصل داخل نفس الدائرة. مع غياب للتضخيم الغير طبيعي لمنطقة على حساب الأخرى.[27]

يُبرّر مُناصري رئيس الجمهورية هذا التوجّه المُعتمد في تقسيم الدوائر الانتخابية، إلى محاولة نحو الغاء التفاوت الجهوي والاجتماعي الذي تسبّب فيه منوال التنمية المُعتمد من دولة ما بعد الاستقلال. أين وقع تميّيز بعض المناطق السياحيّة والبعض من مناطق تونس الكبرى على حساب ولايات الجنوب والشمال الغربي والوسط، عبر مركزة المشاريع الكُبرى وتحسين البنية التحتيّة فيها، مع تهميش المُدن الداخليّة وتحويلها إلى أرياف مُتمدّنة.

إلّا أنّ التغيّير في عمليّة توزيع المقاعد في البرلمان بين مختلف الدوائر الانتخابية واسناد مقعد وحيد لكلّ دائرة لن يُساهم في الحدّ من هذا التفاوت، أمام تهميش دور مجلس نواب الشعب في الدستور الجديد للجمهورية التونسيّة، والتعزيز من صلاحيات وتغوّل الوظيفة التنفيذيّة واسناد العديد من الصلاحيات التشريعيّة لها. مع حصر وظيفة البرلمان في عمليّة اقتراح القوانين والمُصادقة على مشاريع القوانين المعروضة من قبل رئيس الجمهوريّة.

فتحسين وضع المناطق المنكوبة والتشجيع على بعث المشاريع التنمويّة فيها لا يُمكن حلّه فقط عبر مركزة السلطة السياسيّة بتمثيليّة محليّة تُسند كمساحيق التجميل على مشروع سياسي تشكّل داخل وعي زائف هدفهُ الوحيد هو إكساء هذه المركزيّة بروح من التشاركيّة المُزيّفة. والتي يصعُب تحقّقها في ظلّ تهميش مكانة السلطة المحليّة المُتمثّلة في المجالس البلديّة، والتي أقرّ دستور 2022 إلغاء كافة الفُصول المُتعلّقة بالجماعات المحليّة وتعويضها بفصل يتيم. ليُطرح التساؤل حول وجاهة هذا الإلغاء وما يُمكن أن يترتّب عليه من هدم لمسار ليزال في طور التشكّل والبناء.

لا تتوقّف سلبيات المرسوم الانتخابي عند حدود غياب لرؤية واضحة في عمليّة تقسيم الدوائر الانتخابية فقط، بل يتواصل ليشمل كذلك شرط جمع التزكيات للمُترشحين كركيزة أساسيّة من ركائز مشروع البناء القاعدي. وهو شرط مُجحف للغاية باعتبار أنّه لا تُقبل الترشحات التي لم تجمع تزكية 400 شخص من الناخبين المُسجلين في الدائرة الانتخابيّة، على أن تكون هذه التزكيات مُعرّف عليها بإمضاء المُزكين لدى ضابط الحالة المدنيّة أو لدى الهيئة الفرعيّة للانتخابات المُختصّة تُرابيّا.[28]

وهنا نطرح التساؤل حول وجاهة هذا الاختيار الذي لن يُساهم مثلما يتصوّر رئيس الجمهوريّة في الحدّ من الترشّحات العشوائيّة وحصر عمليّة الترشّح لدى الأفراد الجديّين ممّن يحظُون بصيت وسمعة عاليّة في الجهات التي ينتمون إليها. بل سيُؤدي شرط التزكيات إلى حصر عمليّة الترشّح لدى الفئات الاجتماعية المُسيطرة على المال والمالكة لمشاريع ذات طاقة تشغيليّة مُرتفعة في الجهات. والتي يُمكن لها جمع 400 تزكية للترشّح لانتخابات مجلس نواب الشعب، خاصة بعد قرار وقف الانفاق العمومي على الانتخابات والاقتصار فقط على التمويل الذاتي للحملات الانتخابية، وبالتالي تعبيد طُرق الوصول للبرلمان للأفراد القادرين في الانفاق على حملاتهم الانتخابية.

إنّ مثل هذا الشرط لن يُساهم في الحدّ من استحواذ بارونات المال والأعمال على المشهد البرلماني والسياسي في البلاد والنأي بالمشهد السياسي وتحصينه من ظواهر الارتزاق، بل سيزيد من تدعيم مكانتها عبر وضع لمثل هذه العراقيل أمام محدُودي الإمكانيات. وهو ما سيجعل من شرط التزكية خاضع للعرض والطلب يحتكره من له القدرة على تحقيق المطالب الآنيّة (من دفع الأموال أو التدخّل الآني لتحسين وضعية اجتماعية…).

حيثُ بدأت مُحاولات شراء التزكيات وتوجيه الناخبين لتزكيّة مُرشّحين مُعيّنين على حساب مُرشحين آخرين في الظهور والانتشار مُنذ فتح باب تقديم الترشحات من قبل الهيئة العُليا المُستقلة للانتخابات. وهو ما دفع برئيس الجمهوريّة في اجتماعه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن بقصر قرطاج يوم 9 أكتوبر 2022، الإعلان عن نيّته لتنقيح المرسوم الانتخابي لوضع حدّ أمام ظاهرة التلاعب بالتزكيات.

وتجدرُ الإشارة أنّ هذا التنقيح لن يكون الأوّل، فقد درج رئيس الجمهوريّة من خلال مساره الانفرادي في صياغة المراسيم إلى تنقيح مشروع الدستور بعد صدوره ببضعة أيّام في الرائد الرسمي. نتيجة كثرة الانتقادات التي قُدّمت من قبل المُختصّين والفاعلين السياسيين والمدنيين.

من جهة أخرى، فإنّ هذا العدد المُرتفع من التزكيات المطلوبة سيتسبّب في تعطيل العمل داخل إدارة الحالة المدنيّة التي تشكو بطبعها من حالة التعطّل الدائم نتيجة مظاهر البيروقراطية الإدارية التي تفرض استخراج وإمضاء العديد من الوثائق بالطرق القديمة التي عفا عنها الزمن وتمّ استبدالها في العديد من الدول بطرق رقميّة مُتطوّرة تُساعد على ربح الوقت والتقليل من التكلفة الباهظة للوثائق.

كما نلحظُ أيضا أنّ حالة التعطّل والعجر التي يُمكن أن تحدث صلب المكاتب الفرعيّة للهيئة العُليا المُستقلة للانتخابات في عمليّة فرز التزكيات والتحقّق منها، سيُمثّل جهد إضافي ينضاف إلى الجُهد الموكُول إلى هذه الفروع الجهوية في عمليّة الاعداد وضمان حسن سير العمليّة الانتخابية. وبالتالي فإنّه من الوارد جدّا أن تُأثّر عمليّة التثبّت من التزكيات على حُسن سير المهام العاديّة للهيئة. نظرا لما تتطلّبه عمليّة التثبّت تلك من موارد بشريّة مُرتفعة وامكانيات تقنيّة مُتطوّرة تُمكّن من إعادة رقن هذه التزكيات في مُحتوى رقمي يُتيح التثبّت من إمكانية تزكيّة أحد المُسجلين لأكثر من مُترشّح. وهو أمر نراه شبه مُستحيل أمام الإمكانيات المحدودة للهيئة.

من ناحية أخرى، الشرط الوارد بالفصل 21 جديد فقرة ثانية: “…ويجب أن يكون نصف المُزكين من الإناث والنصف الثاني من الذكور، على أن لا يقلّ عدد المُزكّيات والمُزكّين من الشّباب دون سنّ الخمس والثلاثين عن 25 %. ولا يجوز للناخب أن يُزكّي أكثر من مُترشّح واحد.” هو شرط يحصر دور النساء والشباب في التأثيث للمشهد الانتخابي القادم واضفاء لشرعيّة زائفة عليه. حيثُ أنّ المُشاركة الشبابيّة والنسائيّة في الحياة السياسيّة تستوجب سنّ تشريعات تفرضُ على الأحزاب السياسيّة والقائمات الائتلافيّة والمُستقلّة تمثيلهم لقبول القائمات، مثلما كان معمُول به في القانون الانتخابي السابق نسبيّا عبر فرضه لمبدأ التناصف العمودي والتشجيع على تمثيليّة الشباب في القائمات المُترشّحة.

وبإلغائه لمبدأ الترشّح على القائمات واستبداله بالترشّح على الأفراد، دعّم قيس سعيّد التوجّه الذكوري المُتغلغل في ذهن العديد من المواطنين الرافضين لفكرة تقلّد النساء لمناصب سياسيّة عُليا في الدولة حتى وإن أثبتن الكفاءة والنزاهة. ليكون رئيس الجمهوريّة الذي صرّح في السابق عن رفضه للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، مُتناغما مع أفكاره وتوجهاته بجعل المرأة عُنصر مُكمّل للرجل ينحصر دورها في تزكيته وانتخابه لتوليه المناصب السياسيّة العُليا، وهو ما يبرز بصفة جليّة من خلال الاحصائيات اليوميّة حول الترشّحات للانتخابات التشريعية والتي تقوم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بنشرها على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، حيثُ لم تترشّح سوى 214 امرأة من مجموع 1427 ترشّح قُدّم إلى غاية يوم 27 أكتوبر 2022 [29]. وكذلك نفس الشيء بالنسبة للشباب حيثُ سترتفع نسبة عزوفه عن المُشاركة في الحياة السياسيّة.

إنّ فكرة الغاء الترشّح على القائمات واستبدالها بنظام الترشّحات الفرديّة جاءت بهدف تهميش دور الأحزاب السياسيّة باعتبارها الأطر الدائمة والقارّة في عمليّة التصعيد للبرلمان. وذلك بفضل قدرتها على التشكّل والانتشار في أوسع المناطق والجهات. وهنا يتناغم قيس سعيّد مرّة أخرى مع قناعاته الفكريّة وانطباعاته النفسيّة حيثُ اعتبر إثر صدور المرسوم المُنظّم لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي أنّ الأحزاب السياسيّة قد قامت بالسطو على إرادة الشعب التونسي وثورته العفويّة التي قام بها. مُتجاهلا أنّ شعارات الثورة التونسيّة والمطالب التي نادى بها المُحتجّون، جميعها ذات بُعد سياسي واضح.

حيثُ أنّه من المُستحيل أن تنتشر الاحتجاجات التي انطلقت من منطقة سيدي بوزيد لتشمل جلّ الولايات والمعتمديات بالتراب التونسي دون أن تكون هناك قيادة ثوريّة أو نقابيّة تقوم بتحريك الشارع وتنظيم وتأطير المسيرات والاحتجاجات. فعفويّة اللحظة انحصر في يوم 17 ديسمبر، أمّا تأمين عمليّة مُواصلة الاحتجاجات وانتشارها وتدويلها إعلاميا والارتقاء بها من حالة الغضب والرفض، إلى حالة سياسيّة عامّة ذات مطلبيّة تُنادي بإسقاط النظام القائم ووضع حدّ لغطرسته ولتفشي الفساد فيه، ساهمت فيه النُخب السياسيّة والمدنيّة الفاعلة زمن الاستبداد. وبالتالي فمن التجنّي تهميش الدور الذي لعبته هذه المجموعات والأفراد.

أشرنا في بداية هذا المقال إلى أنّ عمليّة إقرار تنزيل أيّ نظام انتخابي في الواقع يخضع بالضرورة إلى دراسة عميقة للظواهر السوسيولوجية والتنمويّة، وذلك لاختيار نظام الاقتراع الذي يتماشى مع خصوصيات تلك الدُول.
إذا ما بحثنا حول الدواعي الرامية وراء إقرار نظام الاقتراع على الافراد في المرسوم الانتخابي الجديد، نرى بوضوح أنّ هذا النظام جاء فقط كردّة فعلٍ قصد إلغاء نظام الاقتراع على القائمات دون وجود لأيّ مُرتكزات واقعيّة تُساهم في نجاح العمل به. فبروز النزعات العشائريّة في بعض المناطق بالجمهورية التونسية والتي وصلت أحيانا إلى إسالة الدماء وزهق الأرواح ستجدُ لنفسها فضاءً حيويّا سيدفع نحو مزيد تغذيتها واحتدامها، خاصة مع فشل دولة الاستقلال في الأخذ بعين الاعتبار التوازنات اللازمة بين الجهات والفئات عند انتهاجها لسياسات تحديثيّة في مجاليْ نشر التعليم والرعاية الاجتماعيّة، حيثُ كانت النتيجة هي بروز النعرات الجهويّة إلى جانب الرواسب العشائريّة الموروثة[30].

فالافتراض الذي يستند إليه المدافعون عن نظام الاقتراع على الأفراد في دوائر صُغرى، بأنّ المعرفة الشخصيّة بالمُترشحين ُيُؤدي إلى انتخاب الأكثر كفاءة ونزاهة، يعكس محدوديّة إلمامهم بالمعطى السوسيولوجي وبالتجارب المقارنة. فالروابط الأولية، أي العائلة والعشيرة، والمصالح المادّية الآنيّة المبنية على العلاقات الزبونيّة، يكون دورها محدّدا كلما ضاقت الدائرة الجغرافيّة وكلّما ضعُف البُعد السياسي للعمليّة.[31] ولعلّ أفضل دليل على ذلك هو ما أفرزته الدائرة الانتخابية القصرين في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، حيثُ تمّ قبول 67 قائمة للتنافس لانتخابات مجلس نواب الشعب.

ترشّح في عدد كبير منها شخصيات معهود لها بالكفاءة والنزاهة والاستقامة، إلّا أنّ الناخبين وقتها منحُوا أصواتهم لأشخاص تشوبهم شبهات فساد ماليّة. حيثُ قاموا بالترشّح ضمن قائمات حزبيّة معروفة ليتمّ التّصاهر بين المُراكمة السياسية لهذه الأحزاب مع امتلاك الأموال المشبوهة لهؤلاء الأشخاص لتكون النتيجة هي الفوز بمقاعد في البرلمان.

سيُساهم نظام الاقتراع على الأفراد في مزيد انتشار وتفاقم هذه الظواهر، باعتبار أنّ هؤلاء الأشخاص لن يعُودوا في حاجة بعد لثقة الأحزاب السياسيّة لضمان البقاع الأولى ضمن قائماتها الانتخابيّة.

إنّ آليّة سحب الوكالة من النائب المُخلّ بواجب النزاهة أو المُقصّر في القيام بواجباته النيابيّة[32]، وإن تبدو خلال الوهلة الأولى آليّة رقابيّة هامّة ستُساهم في تدعيم المُشاركة السياسيّة الدائمة للمواطن وعدم انحصارها في المُشاركة الموسميّة التي تستدعيها المراحل الانتخابية فقط. مع الدفع نحو توطين العلاقة بين النائب والمواطن ومُراقبة هذا الأخير لأعماله طيلة فترته النيابيّة. إلّا أنّه وبالرجوع إلى الفصل 39 مُكرّر من المرسوم الانتخابي الجديد، نُلاحظ أنّ هذا الفصل اشترط أن تكون عريضة سحب الوكالة مُمضاة من عُشر الناخبين المُسجلين بالدائرة الانتخابية التي ترشّح بها النائب المعني. وهو ما يضعنا أمام التساؤل حول وجاهة هذا الاجراء واقعيّا.

باعتبار أنّه من السهل جمع هذه النسبة في بعض الدوائر الانتخابية التي تظمّ عددا ضئيلا من المُسجلين. وهو ما سيفتح الباب على مصراعيه أمام الابتزاز وغياب للاستقرار البرلماني حتى في الاستثناءات التي حدّدها المرسوم والواردة في الفصل 39 جديد فقرة ثانية، وإمكانية اعتراض النائب المعني أمام القضاء الإداري.

كما أنّ عمليّة البتّ في مطالب سحب الوكالة وتحديد لمدى وجاهة الاخلال الذي اقترفه النائب، قد يُعهدُ للنظر فيها لفائدة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وذلك لاعتبار بسيط وهو عدم التنصيص صلب المرسوم عدد 55 عن الجهة القضائيّة أو الهيئة التي ستتولّى البتّ في مضمون عرائض سحب الوكالة، والوقوف عند وجاهة هذه العرائض. بل الاقتصار على التنصيص صلب الفصل 39 ثالثا من المرسوم الانتخابي على صلاحية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في اصدار قرارها حول قبول أو رفض عريضة سحب الثقة من النائب بعد التثبّت من توفّر الشروط القانونية فيها.

وهنا سيُفتحُ باب جديد للتأويل، حول دقّة مصطلح “الشروط القانونبة”. إن كانت ستقتصر فقط على التثبّت من عدد الامضاءات والشروط المُتعلّقة بالآجال المُحدّدة للتقديم…، أم سيتمّ التوسيع من هذا المفهوم ليشمل بقيّة الجوانب المُتعلّقة بمضمون العريضة، أي وجاهة أسباب سحب الثقة ومدى مُطابقة هذا الطلب مع مردوديّة النائب داخل البرلمان. وهنا وجب التنويه إلى أنّ توسيع عمليّة النظر ستكون في غاية من الخطورة باعتبار أنّ مهام الهيئة في مُجملها هي مهام تقنيّة، والبتّ في المسائل المُتعلّقة بالنزاع الانتخابي كان معهود به لفائدة القضاء الإداري أو محكمة المُحاسبات نظرا للخصوصيات الدقيقة المُتعلقة بالبعض من جوانبه، والتي تستوجب دراية مُعمّقة بمختلف المسائل القانونية والواقعيّة الدقيقة.

وبالتالي فإنّ مثل هذه المسائل الدقيقة والجوهريّة وجب ترحيلها للنظر فيها إمّا أمام القضاء المُختصّ أو عبر إحداث لهيئة مُستقلّة مُتخصّصة تتفرّغ للبتّ في مثل هذه المسائل اللاحقة حتى لا تتحوّل آليّة سحب الوكالة إلى سيف دموقليس[33] يُسلّطه رئيس الجمهوريّة على مُعارضيه داخل البرلمان، الذين سيكونون رهينة أمام إرادة الخاسرين الذين سيلجؤون حتما إليها في محاولة منهم لتغيّير المُعادلة السياسيّة طوال الفترة الانتخابية. ليُصبح البرلمان عبارة عن فترة انتخابية مفتوحة ومُتواصلة.[34]

خلاصة

رغم التنازلات التي قدّمها رئيس الجمهوريّة في مرسومه الانتخابي الذي حبّره بنفسه بعيدا عن آراء المُختصّين والمُشتغلين في الحقل الانتخابي، بعدم تكريسه لكافة معالم البناء القاعدي الذي بشّر به مُنذ ترشّحه للانتخابات الرئاسيّة. كحلّ سحري سيقضي على كافة تمظهرات الفشل السياسي الذي ساد المرحلة الفارطة حسب تشخيصه، وسيُقلّص من التفاوت الغير عادل بين الجهات. دون الوقوف عند مُختلف المسائل السوسيولوجيّة والاقتصادية والخصوصيات الثقافية التي تُميّز بعض المناطق عن الأخرى. مُتجاهلا في ذلك فكرة أنّ مُراجعة طريقة الاقتراع ليست المُحدّد الوحيد في ضمان الاستقرار السياسي وعقلنة المشهد الحزبي،[35] ما لم تُشفع بمُحاولات الوقوف عند تأثيرات الوقائع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية…، والبحث الجدّي لمحاولة إيجاد حلّ لها. بعيدا عن رفع الشعارات العريضة والتملّص الدائم من المسؤوليّة.

فبالوقوف عند أبرز مواطن الخلل وعدم الوضوح التي طغت على هذا المرسوم، يُمكن لنا أن نتصوّر أنّ مثل هذا النظام الانتخابي سيُفرز حتما مجلسا نيابيّا سينصدم به واضع المرسوم مثلما سينصدم به جُموع المُؤيّدين والأنصار.

——————————————————————————————————————


[1] محمّد رضا بن حمّاد، أسس الاقتراع العام، مقال صادر بمجلة الأحداث القانونية، عدد10 لسنة 1996، منشورات كليّة الحقوق والعلوم السياسية بتونس، ص8.

[2]محمّد رضا بن حمّاد، المبادئ الأساسية للقانون الدستوري والأنظمة السياسيّة، مركز النشر الجامعي، طبعة ثانية مُحيّنة، سنة 2010، ص354.

[3] المولدي قسومي، “في مواجهة التاريخ” صدى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في مسار الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس، دار محمد علي للنشر، الطبعة الأولى: أكتوبر 2021، ص 403.

[4] تولّت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي تمّ تأسيسها بمقتضى المرسوم عدد 6 الصادر في 18 فيفري 2011 بالإشراف على المرحلة الأولى من الانتقال الديمقراطي في تونس، عبر إحداثها للهيئة العليا المُستقلة للانتخابات وإصدارها للمرسوم المُنظّم لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي وجملة من المراسيم ذات الصّلة بالتنظيم السياسي.

[5] تمّ حسم الجدل الحاصل داخل الهيئة بالرفض لنظام الاقتراع على الأفراد والاختيار بالأغلبية على نظام الاقتراع على القائمات باعتماد التمثيل النسبي. في جلسة يوم الإثنين 11 أفريل 2011. لمزيد التعمّق حول هذه المسألة ولمختلف الآراء صلب مجلس الهيئة. يُراجع كتاب “في مواجهة التاريخ…” للمولدي قسومي، سبق ذكره، ص 409 وما يليها.

[6] M. Duverger, L’influence des systèmes électoraux sur la vie politique, Paris, A.Colin, 1950.

[7] الإبقاء على الفصل 32 من المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 والمُتعلق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي. ليُصبح الفصل 107 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 والمُتعلّق بالانتخابات.
منطوق الفصل هو: “يُجرى التصويت على القائمات في دورة واحدة، ويتمّ توزيع المقاعد في مُستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا“.

[8] قانون أساسي عدد 16 لسنة 2014 مؤرخ في 26 ماي 2014 يتعلّق بالانتخابات والاستفتاء.

[9] لمزيد التعمّق حول هذه المسألة، يُراجع الفصل الثامن من كتاب “الديمقراطية المشهديّة”، للصادق الحمامي، دار محمّد علي للنشر، ص263 -265.

[10] فيليب برو، علم الاجتماع السياسي، ترجمة محمّد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 1998، ص313.

[11] مثال: اختيار رئيس الدولة الحالي لإلياس الفخفاخ كشخصيّة الأقدر على تشكيل ورئاسة الحكومة. وذلك بعد اسقاط حكومة الحبيب الجملي في جلسة منح الثقة لها في البرلمان، وذهاب مُبادرة اختيار رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية.
نُشير هنا إلى أنّ إلياس الفخفاخ قد خاض غمار الانتخابات الرئاسية وسقط من الدور الأوّل بعد حصوله على 11532 صوت، أي بنسبة 0.3 %. ليُصبح رئيسا للحكومة مُتمتّعا بصلاحيات أوسع من صلاحيات رئيس الجمهوريّة المُنتخب انتخابا مُباشرا. كما أسند له البرلمان خلال جائحة الكوفيد-19 تفويضا بإصدار المراسيم خلال تلك الفترة، ليضمّ إلى جانب صلاحياته كسلطة تنفيذية، صلاحيات السلطة التشريعيّة.

[12] يُراجع بيان منظمة البوصلة حول تنقيح القانون الانتخابي، بيان صادر بتاريخ 20 جوان 2019، الرابط: https://www.albawsala.com/ar/publications/20191376

[13] المُفكرة القانونية، “الرئيس يُريد”: تناقضات نظام البناء القاعدي ومخاطره، ورقة بحثيّة، ص30.

[14] https://majles.marsad.tn/fr/legislation/2021/020
https://majles.marsad.tn/fr/legislation/2021/027

[15] العهدة البرلمانية الأولى: 2014 – 2019.
العهدة البرلمانية الثانية: 2019-2024 لم تكتمل هذه العُهدة بسبب التجميد ثمّ الحلّ الذي قام به رئيس الجمهورية على مجلس نواب الشعب.

[16] خلال الدورة البرلمانية الثانية من العهدة الأولى 2014-2019، تشكّلت بعض الكتل النيابية على غرار كتلة الحرّة التي ضمّت 15 نائبا، وكتلة الائتلاف الوطني 43 نائبا. وذلك اثر الانتقسام الذي عرفته كتلة نداء تونس الحاصلة على 86 مقعدا. ليتمّ النزول بعدد نوابها إلى 25 نائبا.
توزّع بقية النواب المُستقيلين إمّا على كُتل نيابية أخرى أو نُوابا غير مُنتمين لكُتل.

[17] تمّ اقتراح نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين على مجلس هيئة تحقيق أهداف الثورة من قبل لجنة من الخبراء. أنظر صبريّة السخيري زروق، انتخاب ومهام المجلس الوطني التأسيسي التونسي، مركز النشر الجامعي، 2014، ص 93. ورد في الورقة التحليلية “الرئيس يُريد…”، سبق ذكره، ص 29.

[18] يُراجع حول هذه المسألة، مقال الاستشارة الإلكترونيّة: الرئيس يستشير نفسه. مقالات منظمة البوصلة، الرابط: https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20224977

[19] مرسوم عدد 55 لسنة 2022 مؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 يتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المُتعلّق بالانتخابات والاستفتاء واتمامه، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 102.

[20] يُراجع في خصوص هذه المسألة تقرير مُنظمة البوصلة، قراءة أوليّة في مشروع دستور الرئيس: تأسيس جديد لسلطويّة قديمة، جويلية 2022.

[21] الباب السادس “في الإحاطة الإشراف”، من المرسوم عدد 15 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس 2022 والمُتعلق بالشركات الأهليّة، الفصول من 63 إلى 70.

[22] الفصول 8،7 و12 من المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس 2022 والمُتعلّق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته.

[23] مثال: دائرة تونس 1: 9 مقاعد، دائرة نابل 1: 7 مقاعد، دائرة باجة: 6 مقاعد، دائرة تطاوين: 4 مقاعد، دائرة توزر: 4 مقاعد، دائرة قفصة: 7 مقاعد، دائرة المهدية: 8 مقاعد.

[24] الفصلين 31 و33 من الأمر عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 المتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 2011، ص 651.

[25] تقرير المعهد الوطني للإحصاء حول التقديرات السكانيّة حسب المعتمديات والبلديات، جوان 2022.

[26] في القانون الانتخابي السابق، كان توزيع المقاعد يخضع إلى عدد السكان داخل كل دائرة انتخابية وذلك عبر إسناد مقعد لكل 60 ألف ساكن.

[27] محمّد شفيق صرصار، ورقة سياسيّة عامّة حول ضوابط مُراجعة طرق الاقتراع، مركز الدراسات المتوسطية والدولية، سنة 2018.

[28] الفصل 21 جديد من المرسوم الانتخابي.

[29] أنظر الصفحة الرسمية للهيئة العليا المُستقلة للانتخابات على موقع الفايسبوك، رابط الصفحة: https://www.facebook.com/isietn

[30] محمّد علي الحباشي، كتاب عروش تونس، منشورات سوتيميديا، طبعة ثالثة – ماي 2017، ص6.

[31] مهدي العشّ، سعيّد يُصدر مرسومه الانتخابي: ملامح البناء القاعدي تتّضح رغم تنازلات ملحوظة، المفكرة القانونية، مقال، سبتمبر 2022.

[32] الفصل 39 جديد من المرسوم عدد 55 لسنة 2022، سبق ذكره.

[33] ورقة بحثيّة، “الرئيس يُريد…” مرجع سبق ذكره، ص59.

[34] نفس المرجع السابق، ص61.

[35] “Le mode de scrutin n’a pas un rôle moteur, mais plutôt un rôle de frein ou d’accélérateur”. Maurice Duverger, préface à Georges Lavau, Partis politiques et réalités sociales. Paris : Armand Colin, 1953.