المنشورات – البوصلة https://www.albawsala.com Mon, 01 Apr 2024 10:05:02 +0000 ar hourly 1 الانتخابات “المحلية” أو مشروع الرئيس الأصلي: مسار لا سياسي وغموض قانوني أدى إلى مقاطعة واسعة https://www.albawsala.com/ar/publications/20246342 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246342#respond Fri, 15 Mar 2024 19:17:15 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6342 انعقدت يوم الأحد 24 ديسمبر 2023 الدورة الأولى من الانتخابات “المحلية” التي تعتبر الخطوة الأولى لانتخاب المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية). تُشكّل هذه الانتخابات جوهر المشروع الأصلي الذي ينادي به الرئيس قيس سعيد منذ 2013 والذي قام بتنزيله تدريجيا منذ 25 جويلية 2021 بعد تجميده للبرلمان بتأويل متعسف للفصل 80 من دستور 2014 قبل تعليق العمل به ليمرّر عبر الاستفتاء دستور 2022 الذي صاغه بنفسه بعد استشارة صورية.

أتت هذه الانتخابات بعد أن استغل الرئيس قيس سعيد سلطة المراسيم1 لحلّ المجالس البلدية المنتخبة2 يوم 8مارس 2023 قبل شهرين أو ثلاثة من انتهاء عهدتها وثلاثة أيام قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية لبرلمانه، ولوضع تركيبة المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (المرسوم عدد 10) ولتنقيح القانون الانتخابي (المرسوم عدد 8) رغم أن دستور قيس سعيد نفسه يستثني المادة الانتخابية من التشريع بالمراسيم.

تركيبة المجالس المحلية والجهوية ومجالس الإقليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم حسب المرسوم عدد 10 و الأوامر المكملة له لسنة 2023

المصدر: البوصلة

وقد نبهت منظمة البوصلة إلى الإشكاليات القانونية والسياسية المتضمنة بمراسيم 8 مارس3 والتي يمكن تلخيصها في غياب الصلاحيات وآليات التحكيم بين هذه المجالس، شروط ترشح إقصائية وماراثون انتخابي ناتج عن العدد الكبير للدوائر الانتخابية والقرعة كل 3 أشهر.

أبرز الإشكاليات المتعلقة بالانتخابات “المحلية”

المصدر: البوصلة (أوت 2023)

وبمرور الأشهر وبعد تكتّم السلطة على تاريخ هذه الانتخابات ما دفع هيئة الانتخابات إلى محاولات الاستباق والتخمين، لم يقع تلافي الإشكاليات القانونية المتعلقة بصلاحيات واختصاصات هذه المجالس حيث اكتفى قيس سعيد باستكمال الخطوات الشكلية لانعقاد هذه الانتخابات وهي استكمال تركيبة هيئة الانتخابات التي عرفت استقالات أفقدتها النصاب القانوني اللازم لاتخاذ قرارتها، وإصدار أمر تقسيم الأقاليم4 قبل أن يصدر أمر دعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات التشريعية يوم 24 ديسمبر 2023. وبهذا شهدنا حملة انتخابية لمترشحين يجهلون صلاحيات المجالس الذين سيشكلونها.

الاستنباط القانوني لمجالس دون صلاحيات

في مشهد صار يتكرر، وبعد أن نصّبت هيئة الانتخابات ولايتها الكاملة على التغطية الإعلامية للانتخابات، حشرت الهيئة نفسها في صف المفسّرين والمؤوّلين لمشروع الرئيس، فإن كانت أحيانا تتحاشى الأسئلة السياسية المحرجة وتؤكّد على اقتصار دورها على البعد التقني المتمثّل في حسن سير العملية الانتخابية فإنها ومع إصرار قيس سعيد على المضي قدما في مشروعه الغامض صارت تتطوع لسدّ ثغراته القانونية وتناقضاته العمليّة.

يكمن السبب الأساسي في غموض دستور قيس سعيد ورؤيته الاختزالية للجماعات المحلية التي لا تأخذ بعين الاعتبار جميع جوانبها القانونية خاصة إذا ذكّرنا بموقفه منها إذ يراها تهديدا لوحدة الدولة رغم ادعائه أن مشروعه مبني على تمكين المحليات.

يقتضي وضع مؤسسات تتمتع بصفة الجماعات المحلية أن تحدّد اختصاصاتها بدقة. إن الاختصاص الذي يعني قانونيا السلطة الممنوحة حسب تأهيل تشريعي لاتخاذ قرارات لها أثر قانوني في مجالات تدخّل محددة بدقة5، هو نظريا من مشمولات السلطة التشريعية ويستوجب الدقة والوضوح والمقروئية تجنبا لتنازع الاختصاصات6.

على عكس دستور 2014 الذي صنّف صلاحيات الجماعات المحلية وحدّد المبادئ التي ترتكز عليها اختصاصاتها وهي التدبير الحر والتفريع وربط الاختصاصات بالموارد7، اقتصر دستور قيس سعيد على فصل يتيم مقتضب8 في حين اقتصر تشريعه على المرسوم 10 الذي أحدث هيكلا جديدا دون تحديد اختصاصاته. هذ بالإضافة إلى إجراء “انتخابات” يتعيّن على المترشحين فيها تقديم موجز لبرنامجهم الانتخابي دون معرفة هذه الاختصاصات، ويشتمل هذا البناء على إمكانية سحب الوكالة الذي يتم في صورة لم يحترم المترشح هذا البرنامج، وهو شكل آخر من أشكال العبث.

أمام هذا الغموض، “اجتهدت” هيئة الانتخابات في استنباط حلول لسد هذا الفراغ القانوني دون جدوى حيث لا تصمد مقترحاتها أمام التحليل القانوني البسيط. فإن كان من الممكن نظريا محاولة الاعتماد على مجلّة الجماعات المحليّة لتسيير البلديات أو المجالس البلدية إن تمّ انتخابها أو المجالس الجهوية نظرا لوجود نصّ ينظمها9 فإن المجالس المحلية التي أحدثها دستور قيس سعيد وضعها أمام ورطة الفراغ القانوني التام. وهو ما جعلها تلجأ إلى تأويل غريب يتمثل في أنّ قانون المجالس المحلية للتنمية لسنة 101994 ينطبق عليها.

بقطع النظر عن عدم أهليّة الهيئة لتأويل القانون وللتدخل في مجال تحديد الاختصاصات، لا بد من التأكيد على أن هذا القول لا يستقيم على أكثر من مستوى11. فالمجالس المحلية للتنمية (قانون 1994) هي مؤسسة لامحورية (أي من امتدادت المركز) معيّنة لا منتخبة يرأسها المعتمد ودورها استشاري على عكس المجالس المحلية تماما التي تعتبر جماعات محلية منتخبة. كما أن قانون 1994 هو قانون عادي في حين يجب أن تتخذ النصوص المتعلقة بالمجالس المحلية شكل قانون أساسي حسب دستور قيس سعيد. دون أن ننسى أنّ هذا الأخير وهو المشرّع والمؤوّل الحقيقي الوحيد قد تناول أخيرا هذه المسألة وضرب عرض الحائط كلّ هذه التأويلات حيث أوضح حسب نصّ البلاغ الذي عقب لقائه برئيس هيئة الانتخابات يوم 6 مارس المنقض أن هذه المجالس المحلية والجهوية إلى جانب مجالس الأقاليم لا تنسحب عليها أحكام مجلة الجماعات المحلية كما يُروج البعض لذلك” وأضاف أن “هناك من يسعى بصفة مقصودة إلى الخلط بين المجالس الجهوية (قانون أساسي 1989) أو المجالس المحلية للتنمية (قانون 1994)…هذان الصنفان من المجالس لا علاقة لهما بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم…”12 في إحراج للهيئة ذاتها.

هيئة الانتخابات: الولاية الكاملة على التغطية الإعلامية للانتخابات

كانت التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية في 2022 موضوع أزمة بين هيئة الانتخابات والهايكا. حيث أعلنت هيئة الانتخابات “ولايتها الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها“ عوض أن يتم تحديد قواعد النفاذ وتغطية الحملة الانتخابية التشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري بموجب قرار مشترك مع الهايكا التي أسند إليها القانون الانتخابي (الصادر في 15 ماي 2004) هذه الصلاحية، قبل أن يلغي المرسوم عدد 8 لسنة 2023 المنقّح للقانون الانتخابي التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وإصدار قرارات مشتركة معها13.

”الهيئة (الهايكا) استُبعدت من مراقبة الانتخابات بسبب موقفها من الانتخابات التشريعية، حيث رفضت إمضاء القرار المشترك مع هيئة الانتخابات، واعتبرت أنّ الانتخابات تفتقر في تغطيتها إلى الحدّ الأدنى من الموضوعية، ونالت الهيئة نصيبها من الغضب عندما رفضت خرق رئيس الجمهورية للصمت الانتخابي، فكان أن أُلغي وجودها من الدستور واستبعادها وفق ذلك المرسوم“، يقول هشام السنوسي عضو هيئة الاتصال السمعي البصري لنواة، ويضيف: ”بالنسبة إلينا، نحن نراقب جميع المضامين بما فيها المضامين المتعلّقة بالدّعاية السياسية وسنراقبها وفق المعايير الموضوعية الموجودة في المرسوم عدد 116 لسنة 2011 وفي كراسات الشروط“، منبّهًا إلى أنّ سلوك هيئة الانتخابات “فيه مسّ من استقلالية وسائل الإعلام“ بما من شأنه ”أن يشكّل ضغطًا عليها“.

مناخ لا سياسي

نظريا وفي الديمقراطيات، تمثّل المواعيد الانتخابية فرصة لدفع النقاش العام نحو مشاريع وطنية مختلفة وهو الدور الذي تلعبه الأحزاب. بعد شيطنة الأحزاب خاصّة المعارضة منها وإقصائها عمليّا بالقانون الانتخابي ونمط الاقتراع على الأفراد، تدور هذه الانتخابات بمقاطعة من الأحزاب الأساسية المكونة للمشهد السياسي التونسي. بعد التدنّي الفادح لنسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 2022، حتى الأحزاب الموالية لسلطة 25 جويلية كحركة الشعب كانت متيقّنة من حتمية فشل هذا الموعد الانتخابي ودعت إلى تأجيله.

إضافة إلى الانفراد بالرأي وتمرير قرارات مصيرية بالقوة ودون مناقشة مواطنية، عرفت الأشهر المؤديّة إلى هذه الانتخابات المحليّة تصاعدا كبيرا لوتيرة انتهاك حرية التعبير وهو ما ساهم في إفراغ الفضاء العمومي من أي نقاش سياسي حقيقي. فبعد إصدار المرسوم 54 لسنة 2022، تحوّل هذا النص إلى آلية جديدة لاستهداف الصحفيين بدل المرسوم 115 المنظّم للمهنة. حسب تقرير وحدة السلامة بالنقابة الوطنية للصحفيين تمّ خلال الفترة الممتدة بين نوفمبر 2022 وأكتوبر 2023 تسجيل 27 حالة تتبع عدلي ضد الصحفيين خارج إطار المرسوم 115 منها 7 على معنى المرسوم 54، و10 على معنى فصول من المجلة الجزائية. على سبيل المثال يمكن أن نذكر حالة الصحفية منية العرفاوي التي مثلت أمام القضاء بسبب شكايتين قدمّهما ضدّها وزير الشؤون الدينية على خلفية مقال صحفي كما أصدر القضاء التونسي حكمين بالسجن أحدهما صادر عن قطب مكافحة الإرهاب اســتئنافيا بخمس ســنوات سجن ضد الصحفي خليفة القاسمي بعد استئناف النيابة العمومية لحكـم ابتدائي بسنة واحدة سـجن ويعتبـر الحكم الأقسى خلال السـنوات العشـر الأخيرة في حق الصحفيين14.

كما تمّ استعمال هذا المرسوم و غيره من النصوص في المجلة الجزائية و مجلة الاتصالات لاستهداف حرية التعبير و ملاحقة ناشطين وناشطات و مواطنين.ات على خلفية تصريحات إعلامية أو تدوينات تندرج في إطار حرية التعبير. يمكن ملاحظة أن هذا المرسوم صار آلية مفضلة لدى مسؤولين في السلطة كالوزراء لاستهداف منظورين لهم كالنقابيين أو صحفيين تناولوا بالنقد مردودهم أو إدارتهم لمؤسساتهم كما صار أحد الآليات الذي تستعمله هيئة الانتخابات لإسكات منتقديها. فقد قامت بتقديم شكوى على معنى هذا المرسوم ضد ناشطين في المجتمع المدني بسبب تعبيرهم عن رفضهم للتقسيم الترابي الجديد في تصريحات صحفية15.

ساهم هذا الهجوم في الضغط على وسائل الإعلام والصحفيين وعودة الخوف والرقابة الذاتية، خاصة بعد أن عادت مظاهر الرقابة والخطاب الأوحد الممجّد للسلطة والتحكّم في الإعلام العمومي16. يظهر ذلك بوضوح في استبعاد القوى السياسية المعارضة من الظهور في التلفزة الوطنية وعودة ممارسات الصنصرة في هذه المؤسسة وغيرها كوكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية.

لم تحاول السلطة القائمة إخفاء هذه الرغبة حيث اجتمع قيس سعيد خصيصا برئيسة مؤسسة التلفزة التونسية في مشهد مذلّ أين وبّخها بسبب حضور ضيف لم يرق له في أحد برامج التلفزة واعتبر أن العديد من البرامج التي تبثّها القناة الوطنية -فضلا عن نشرات الأخبار وترتيب الأنباء- “ليست بريئة”. وهو ما اعتبرته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين “سابقة خطيرة لم يقدم عليها غيره”. كما انتقد في مناسبات أخرى عمل التلفزة الوطنية التي لم تغطّ حسب رأيه بما يكفي نشاط السلطة المتمثل حينها في حملة أمنية لإبعاد المهجرين والمهاجرات من ساحة باب الجبلي بصفاقس. دون أن ننسى استهدافه المباشر لبرنامج ميدي شو الإذاعي أثناء مشاركته في قمة الفرنكوفونية بجربة والذي سبق تتبّع فريق البرنامج وإيقاف مدير الإذاعة.

الترشحات

كان واضحا للجميع بعد النتائج الكارثية التي عرفتها الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022 أن العدد الكبير للدوائر الانتخابية (2155) وشروط الترشح (50 تزكية) أنّ الحصول على ترشحات في جميع الدوائر يعدّ تحديا حقيقيا. أدى ذلك قبل عقد الانتخابات إلى محاولات من الهيئة لاستباق هذه الصعوبات عبر التخفيف في الشروط كعدم اشتراط التعريف بالإمضاء للتزكيات بعد أن قلّص الرئيس قيس سعيد في عدد التزكيات المستوجبة للترشح إلى 50 تزكية بطريقة اعتباطية17. كما قامت الهيئة بالتمديد في فترة قبول الترشحات بستة أيام سعيا منها لتلافي النقص المسجل في الترشحات18.

رغم ذلك، تمّ اعتبار وجود ترشحات في جميع الدوائر تقريبا إنجازا من قبل الهيئة التي تغاضى ممثلوها عن حقيقة وجود تنافس سياسي فعلي عند ملاحظة الترشحات، حيث شهدت الانتخابات 26 دائرة انتخابية بيضاء (دون مترشحين) و218 دائرة بمترشح وحيد أدت إلى انتصاره آليا. دون أن ننسى المشاركة الكارثية للنساء إذ لم تسجل سوى 13,3% من الترشحات كنتيجة لإلغاء التناصف ما أدى إلى تمثيلية كارثية للنساء في المجالس المحلية (10.19%) وهي الأضعف في جميع المواعيد الانتخابية منذ 2011

19المصدر: المفكرة القانونية وموقع الصباح (بناء على أرقام هيئة الانتخابات)

النتائج

كما كان متوقعا، ورغم كل الخطوات المتخذة من هيئة الانتخابات كالعدد المهول من الإرساليات القصيرة للمواطنين.ات والتي بلغت حدّ الهرسلة أو التسجيل الآلي للناخبين والتمديد في أوقات عمل مكاتب الاقتراع مقارنة بانتخابات ما قبل 25 جويلية، سجّلت الانتخابات نسبة مشاركة هزيلة استقرّت حسب أرقام الهيئة في حدود 11,66% وكانت أولى ردود الفعل لممثليها تبريرية عدائية. رغم أن دور الهيئة يقتصر قانونيا على حسن تنظيم العملية الانتخابية، كانت تصريحات سليم بوعسكر أشبه بالردّ على من تساءل حول مدى صحّة النسبة التي أعلنت عليها هو ما يمكن تفهّمه نظرا لغياب أي اهتمام من المواطنين والرأي العام بهذه الانتخابات، حيث لم يكن هناك أي مؤشر في الشارع التونسي على وجود انتخابات أصلا ما عدى ما كانت تبثه التلفزة الوطنية20.

هيئة الانتخابات: من ناطق رسمي باسم مسار 25 جويلية إلى فاعل أساسي في قمع الحريات

كما أشرنا، وفي مختلف محطات هذا المسار الانتخابي، كانت الهيئة ناطقا رسميا باسم خيارات الرئيس، فدافعت عن القانون الانتخابي ونمط الاقتراع وحاولت سدّ الفراغ القانوني وحتى تفسير أسباب نسب المشاركة المتدنيّة. إلا أن دورها الأخطر تمثل في تحوّلها إلى فاعل أساسي في قمع الأصوات المعارضة باستعمال أحد أدوات النظام وهو المرسوم 54 المعادي للحريات. هكذا، تمّ إضافة أحكام إضافية للسجينين السياسيين عبير موسي وجوهر بن مبارك نتيجة لشكاية قدمتها ضدهم الهيئة على معنى المرسوم 54 على خلفية تصريحاتهم الصحفية حول الانتخابات التشريعية المجراة في ديسمبر 2022.

كما استغلت “ولايتها الكاملة عن التغطية الإعلامية للانتخابات” لهرسلة موقع نواة والتضييق على عمل صحفييه حيث تلقت إدارة نواة إشعارًا من هيئة الانتخابات يوم 6 فيفري 2024 بشأن مقال نُشر على موقعها في 26 جانفي 2024، والذي تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي في 28 جانفي، يتناول القضايا السياسية والقضائية المتعلقة بالتآمر على أمن الدولة. اعتبرت الهيئة أن المقال خرق قواعد الحملة الانتخابية وواجب الحياد، وأورد أخبارًا زائفة قد تضلل الناخبين. رد فريق تحرير نواة موضحًا أن المقال كان مقال رأي يهدف إلى فتح النقاش وليس له علاقة بالانتخابات المحلية أو التشريعية، وأن الهيئة تتبع تفسيرًا خاصًا للقراءة السياسية قد يؤثر على حرية التعبير21. وقد عبّرت عديد الجمعيات في بيان مشترك22 عن تضامنها مع موقع نواة وحق صحفييه في ممارسة عملهم دون رقابة مسبقة أو تهديدات. كما اعتبرت أن هذه الخطوة تندرج في إطار قتل التداول السياسي في الفضاء العمومي وإخلاء الساحة من كل الأصوات الناقدة للسلطة الحالية.

ويبدو أن هيئة الانتخابات تنوي المواصلة في نهج تكميم الأفواه حيث قالت في بلاغ لوسائل الاعلام أنّ الفترة الانتخابية تستمرّ حتى تركيز مجلس الجهات والاقاليم في إشارة إلى استمرار “ولايتها الكاملة” ورقابة وحدة الرصد لديها على وسائل الإعلام، واستعدادها لمواصلة استعمال المرسوم 54 كسلاح ضد من يشكك في عملها.

مهازل انتخابية أخرى في الأفق

عوض الوقوف على أسباب فشل هذا المسار، تمادت السلطة في تبريره، فبعد أن تمّ اتهام السياسيين المتهمين في قضايا التآمر بتلقي الأموال من دوائر أجنبية لإفشال الانتخابات المحلية ، كرّر رئيس الدولة ما قاله بعد الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022 إذ صرّح أنّ نسبة “%11 بنزاهة أفضل من 99 % مزورة” بشكل يوحي بأن عدم تزوير الانتخابات هي منّة يجب أن تشكر عليها السلطة الحالية. ورغم ذلك، يواصل الرئيس حملته الانتخابية المتواصلة بزياراته الفجئية التي تغطيها التلفزة الوطنية لساعات -بعد أن تلقّفت تنبيهاته المتكررة- تمهيدا لانتخابات رئاسية قد تجرى هذه السنة في حين توحي كل المؤشرات بأنها -إن تمّ إجراؤها- ستكون مهزلة انتخابية أخرى. حيث لا يمكن أن يشكّل إجراء انتخابات رئاسية في مناخ يفتقد لأي ضمانات لنزاهتها بقضاء تحت الترهيب، وإعلام عمومي تحت السيطرة وحرية تعبير منتهكة مع إقصاء كل المنافسين المحتملين إما بإبقائهم في السجون أو بملاحقتهم قضائيا، إلّا حلقة أخرى من حلقات العبث في هذا المسار الفردي.

إنّ هذا المشهد، إذا أضفنا إليه فشل “الحلول” الاقتصادية التي يطرحها قيس سعيد (أي الشركات الأهلية والصلح الجزائي) أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والذي أدى به إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي لسداد قسط من الديون، يفترض أن يشكّل فرصة أمام المعارضة الديمقراطية لإحراج السلطة وطرح بدائل جدّيّة على الشارع التونسي.

إلا أنّ القوى الديمقراطية أحزابا ومنظمات مجتمع مدني بقيت رغم ذلك في حالة من التّشرذم والإنكار. على سبيل المثال، جاءت محاولة الاتحاد العام التونسي للشغل للضغط على السلطة عبر تجمع نقابي في ساحة القصبة يوم 2 مارس متأخّرة بعد مساعيه المتكررة للحوار معها تحت سقف 25 جويلية 2021 والتي ردّت عليها بالتجاهل (مبادرة الاتحاد مرفوقا بشركائه في الرباعي صائفة 2023) وباستهدافها لدوره الاجتماعي (المنشور 20 لسنة 2021)23 وملاحقة مناضليه على خلفية نشاطهم النقابي.

من ناحية أخرى، لا تزال بعض المبادرات التي تسعى إلى تقديم مرشّح ينافس قيس سعيد تراهن على حسابات خاطئة كالأمل في أن تبادر السلطة بتنقية المناخ وإطلاق سراح المساجين السياسيين وتركيز هيئة مستقلة للإنتخابات في حين لا يرفع صاحبها الذي أعلن صراحة أنه “لن يسلم البلاد لمن لا وطنية له” سوى شعار “لا رجوع إلى الوراء”. كما أنّ مجرّد توحيد المعارضة عدديا لا يعني قدرتها على إزاحة قيس سعيد بالصندوق بقطع النظر عن مدى وجاهة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بعد مقاطعة جميع المواعيد الانتخابية التي سبقتها.

في انتظار بديل سياسي واقتصادي جدّي، يبقى الفعل المعارض الوحيد الجدير بالذكر إلى حدّ الآن -إلى جانب النضال الحقوقي “الكلاسيكي” تضامنا مع المساجين السياسيين- بعض النضالات الجزئية اجتماعية كانت أو حول مشاريع قوانين إلا أنها تبقى دون سقف سياسي قادر على تغيير موازين القوى الحاليّة.

  1. منظمة البوصلة (مارس 2023): قراءة أولية في مراسيم 8 مارس 2023: قتل المواطنة باسم البناء القاعدي ↩︎
  2. عبر المرسوم عدد 9 المؤرخ في 8 مارس 2023 القاضي ↩︎
  3. منظمة البوصلة (مارس 2023): قراءة أولية في مراسيم 8 مارس 2023: قتل المواطنة باسم البناء القاعدي ↩︎
  4. منظمة البوصلة (أكتوبر 2023): تقسيم الأقاليم اختزال انتخابي ضيق لتحديات تنموية عميقة ↩︎
  5. La Sorbonne, cité dans -, Thèse, Université de Paris I PontéhonLa compétence fiscale : (2016) Andreas Kallergis البكوش (2022): اللامركزية من أجل الديمقراطية قانون الجماعات المحلية ↩︎
  6. عبد الرزاق مختار: مداخلة بندوة مخبر الحوكمة (16 ديسمبر 2023) بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ↩︎
  7. تقرير منظمة البوصلة (2024): حصيلة تجربة اللامركزية في تونس: مساهمة في تقييم مرحلة الانتقال الديمقراطي. ص31. ↩︎
  8. الفصل 133: “تمارس المجالس البلديّة والمجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحلّية المصالح المحلّية والجهويّة حسبما يضبطه القانون” ↩︎
  9. أحلام ضيفي مداخلة بندوة مخبر الحوكمة (16 ديسمبر 2023) بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ↩︎
  10. قانون عدد 87 لسنة 1994 مؤرخ في 26 جويلية 1994 يتعلق بإحداث مجالس محلية للتنمية ↩︎
  11. عبد الرزاق مختار (16 ديسمبر 2023)، تم ذكره ↩︎
  12. موقع رئاسة الجمهورية (6 مارس 2024): لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد مع السيّد فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ↩︎
  13. منال دربالي – موقع نواة (23 نوفمبر 2023): التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية: ولاية مطلقة لهيئة الانتخابات ↩︎
  14. منظمة البوصلة (2024): سنة منذ منعرج الاعتقالات السياسية للمعارضة: انتهاك متواصل للحريات في ظل سلطة الفرد ↩︎
  15. كريمة الماجري – جريدة المغرب (1 سبتمبر 2023): في الوقت الذي تستعد فيه الهيئة للانتخابات المحلية: تواصل الانتقادات ورفض مكونات المجتمع المدني لتنظيمها ↩︎
  16. ياسين النابلي- المفكرة القانونية (7 مارس 2022): التلفزة التونسية وأشباح العودة إلى “توجيهات الرئيس” ↩︎
  17. منظمة البوصلة (مارس 2023(، تم ذكره. ↩︎
  18. آدم يوسف – العربي الجديد (13 سبتمبر 2023): تسهيل شروط الانتخابات المحلية في تونس: استباق ضعف المشاركة وصعوبة جمع التزكيات ↩︎
  19. تمّ ذكره في موقع جريدة الصباح (7 فيفري 2024): “الأضعف على امتداد ال13 سنة الماضية: 10.19% تمثيلية النساء في المجالس المحلية” والمفكرة القانونية، عدد 28، خريف 2023: أرقام من الانتخابات القادية: الشعب لا يريد مشروع الرئيس. ↩︎
  20. ياسين النابلي-المفكرة القانونية (23 ديسمبر 2023): انتخابات المجالس المحليّة في تونس: لماذا أصبحَت اللاّحَدَث؟ ↩︎
  21. موقع نواة – بيان بتاريخ 7 فيفري 2024: منعرج خطير في هرسلة الصحفيين والتضييق على المؤسسات الاعلامية ↩︎
  22. منظمة البوصلة ومجموعة منظمات (9 فيفري 2024- بيان مساندة لموقع نواة: الصحافة الحرّة: العدوّ الدائم للأنظمة الاستبدادية ↩︎
  23. منشور عدد 20 لسنة 2021مؤرخ في 9 ديسمبر2021 حول التفاوض مع النقابات والذي يمنع جميع المسؤولين الحكوميين من الشروع في التفاوض مع النقابات قبل الحصول على ترخيص من رئاسة الحكومة ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246342/feed 0
التقرير السنوي لمنظمة البوصلة لسنة 2023 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246330 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246330#respond Thu, 29 Feb 2024 14:17:18 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6330
Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [3.78 MB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246330/feed 0
أثر سياسات التقشف على ولوج الشباب الى خدمات الصحة https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246315 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246315#respond Thu, 29 Feb 2024 14:03:12 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6315

Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [19.15 MB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246315/feed 0
سنة مُنذ حملةِ الاعتقالاتِ السياسيّة: انتهاكٌ مُتواصلٌ للحريات في ظلِّ سُلطةِ الفرد  https://www.albawsala.com/ar/publications/20246158 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246158#respond Fri, 23 Feb 2024 15:24:19 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6158 نشهد هذه الأيام مرور سنة كاملة منذ اعتقال عدد من المعارضين السياسيين بتهمة التآمر على أمن الدولة والذين تمّ اتهامهم من قبل رئيس الدولة بالوقوف وراء كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. إنّ هذا الموعد الذي يتزامن مع دخول عدد منهم في إضرابات الجوع، احتجاجا على تواصل مظلمة اعتقالهم دون عرضهم على المُحاكمة. في انتهاك جسيم لأبسط حقوقهم الأساسية في الدفاع. يدفعنا للتفكير في تقييم حصيلة النظام الذي وضعه رئيس الدولة قيس سعيّد في علاقة بالحقوق والحريات، خاصة بعد استكمال مؤسساته على أنقاض ما تبقى من مكتسبات التجربة الديمقراطية.

إنّ التّقييم الحقيقي لأنظمة الحكم لا يكون مُطلقا عبر تأويل النوايا والخطابات الحماسيّة المتغطية بشعارات وطنيّة شوفينيّة، والتي غالبا ما تستحضرها الأنظمة الاستبداديّة لاستخدامها كشمّاعة تُعلّق عليها إخفاقاتها. وهو تماما ما يقوم به رئيس الدولة قيس سعيّد منذ انقلابه المُؤسساتي والدستوري يوم 25 جويلية 2021 بعد أن انتقل من تجميد ونسف المؤسسات المُنتخبة والمستقلة إلى تطبيق مشروعه الفردي. أوّلا عبر دستور خطّه بنفسه استأثر بموجبه بصلاحيات واسعة، ثمّ عبر وضع أسس حكمه الفردي باستخدام المراسيم بالتوازي مع قمع الأصوات المُنتقدة لهُ والكاشفة عن قُصور رُؤاه وتصوراته السياسية.

وكمُعظم النزعات الاستبدادية الجانحة إلى الغصب والترهيب، ظلّ سعيّد مُترعا بسُلاف التوجهات والأفكار الإلغائيّة والقمعيّة في إدارة نظام الحكم، وفيّا لما تدعو إليه مُرتكزات الحكم الشعبوي والتمكين السياسي بمفاصل الحكم والدولة. فكانت بوصلته مُتجهة بالأساس نحو الإلغاء والإقصاء لجلّ الأجسام الوسيطة باعتبارها الضامن الأساسي أمام مخاطر التسلّط وتغوّل الفرد. فكانت ترسانة النصوص القمعية السابقة مُدعّمة بالمرسوم 54 لسنة 2022، أرضية لإعلان بدء موسم الإحالات والإيقافات لعدد كبير من الناشطين والناشطات السياسيين والمدنيين والصحفيين الرافضين مُنذ بزوغ فجر الاستبداد الجديد لتوجهات وسياسات صاحب المسار. لتكون سنة 2023 السنة التي أرسى فيها الرئيس دعائم نظامه واستكمل هدم مؤسسات التجربة الديمقراطيّة التي أفِلتْ بنجاحه في تركيع القضاء نهائيا بعد الإعفاءات التي طالت 57 قاضيا بطريقة انتقاميّة، حيثُ لم تُوجّه ضدّهم قرائن إدانة حقيقيّة..، كما رُفض قرار المحكمة الادارية القاضي بنقض قرار العزل في حقّ عدد منهم.

كذلك، فقد عرفت سنة 2023 مُنزلقا قمعيّا خطيرا تمثّل في التوسيع من دائرة القمع والترهيب لتشمل مختلف أطياف العائلات السياسية والحقوقيّة والمدنيّة، والتي استهلّها النظام في شهر فيفري، بملف التآمر على أمن الدول حيثُ زُجّ بعدد من الوجوه السياسية المُعارضة بالسجن بتهم خطيرة تصل عقوبتها للإعدام دون أن تُقدّم السلطات القضائية والسياسية أي دليل أو توضيح للرأي العام بخصوص هذا الملف. بل واقتصر تدخّلها فقط على تبرئة الديبلوماسيين الأجانب ومنع التداول الإعلامي في القضية.

هكذا، مثلت سنة 2023 إضافة لما عرفته من تراكم للصعوبات الاقتصاديّة وضيق الرُؤى والتصوّرات نحو التحسّن والانفراج، تجسيدا لأسس نظام قيس سعيد وتواصلا لتصفية التجربة الديمقراطيّة ومكاسبها خاصة الحريات الجماعية والفردية.

تأتي هذه المقالة، كمُحاولة للوقوف على حصيلة الانتهاكات الحاصلة خلال السنة المُنقضية (الفترة المُمتدّة بين جانفي وديسمبر 2023). ذلك لأنّ واقع الحريات في البلاد على عكس ما يّدعي رئيس الدولة في خطاباته، أصبح مُهدّدا ومُحدّد النطاق والتحرّك فقط داخل أطر سلطته وسياساته الرامية إلى التّضييق على الفضاء العام وخنق فاعلية الأجسام التعديلية الوسيطة، وترهيب كافّة الأصوات المُعارضة بفتح أبواب السجون أمامها وملاحقتها قضائيّا.

ملف التآمر على أمن الدولة: تصفية المعارضة باستعمال القضاء

عاضد سعيّد نظام حكمه بتوجّه نحو نزع البعد السياسي من الفضاء العام التداولي وجعل الدولة من خلال الأجهزة التي يُديرها ويتحكّم فيها، الكائن السياسي الوحيد الفاعل في البلاد.. مع تماهي مفهوم الدولة والشعب مع شخصه كما هو الحال لدى الشعبويين.1 فتجسّدت مُحاولة التبديد تلك عبر إلغائه لدور الأحزاب السياسية في مناسبة أولى ثم إحالة العديد من الشخصيات الحزبيّة والسياسية بتهم التآمر على أمن الدولة وارتكاب فعل موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة. في مُحاولة منه لتحجيم الدور الذي يُمكن أن تلعبه تلك التشكيلات في المرحلة السياسية القادمة.
يرتكز خطاب قيس سعيد المُشيطن للمعارضين السياسيين على التخوين والاتهام بالتآمر والإرهاب دون أي دليل يذكر، بدا واضحا منذ 25 جويلية 2021 وما تلاه أن هذا التوجه كان نابعا من عدم تسامح الرئيس مع أي خطاب معارض لسياسته فبعد أن أفرغت الساحة السياسية -ما عدا الموالين- من كل قياداتها بين مسجون وملاحق قضائيا، انتقل خطاب الشيطنة إلى المجتمع المدني والإعلام.
إن هذا التوجّه ليس غريبا على الأنظمة الشعبوية التي تختار الحكم الفردي مع السيطرة أو نسف أو إضعاف كافة أجسام المُعارضة بمختلف تشكيلاتها، حتى لا تطفُو إلى السطح بوادر العجز والفشل وحتى يجسّد الحاكم في ذهنه حالة التماهي التي يسعى إلى خلقها بينه وبين الشعب، دون وجود لأيّ أجسام وسيطة.

إنّ النسق المتسارع للإيقافات الذي شُرع في تنفيذها منذ شهر فيفري 2023، مثّلت مُنعرجا خطيرا لواقع الحريات في تونس. حيثُ شكلت فلسفة العقاب والترهيب مُجتمعةً مع النزعة التسلطيّة للسلطة السياسيّة المشفوعة بثقافة الانتقام، فضاءً حيويّا خصبا لقمع جلّ الأصوات الحرّة والمُعارضة لحالة العبث السياسي واهتراء الإدّعاء بشعار “بمقولة الشعب يُريد” التي انكشف زيفها من خلال نسبة الاقبال الكارثية على الانتخابات التشريعيّة، وحالة الإصرار على انتهاج الخيار القمعي ضدّ المعارضة التي توجهت للتفكير في مبادرة سياسية هدفها إيجاد حلّ تشاركي يُنقذ البلاد من شبح الانهيار بعد فشل مشروع قيس سعيد السياسي الذي تمظهر في نسبة تصويت كارثية في انتخاباته التشريعية المجراة في ديسمبر 2022.

سبق يوم 11 فيفري 2023، تاريخ الشُروع في تنفيذ أولى الإيقافات لعدد من الوجوه السياسيّة المُعارضة لسياسات وتوجهات الرئيس. مُناسبتان جهّز من خلالهما سعيّد هذا القرار عبر الضغط على “الوظيفة” التنفيذية مُمثلة في رئيسة الحكومة و”الوظيفة القضائية” مُمثّلة في وزيرة العدل، أين وجّه خلال اللقاءين أصابع اتهامه إلى “أطراف تُحاول اختلاق الأزمات وبثّ الفتن والإشاعات والتآمر على الدولة والوطن“، مُحمّلا فشل سياساته الاقتصادية إلى تلك الأطراف التي تسعى جاهدة إلى “احباط مشروع حكمه الرشيد” و”عرقلة نجاحاته”.
كما سمح لنفسه خلال اجتماعه مع وزيرة العدل ليلى جفّال قبل يوم من بدء أولى الإيقافات، بأن يتدخّل مرّة أخرى في القضاء بعد أن تولّى قبل سنة تركيعه وضرب استقلاليته. حيثُ عبّر عن استغرابه من وجود من هم خارج دوائر المحاسبة بالقول بأنّ له “ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم“.

ومثل كلّ الأنظمة الجانحة نحو الاستبداد والتسلّط، سعت السلطة إلى تكييف هذه الإيقافات بتهمٍ تجعلُ من فظاعة الفعل سهل الهضم مُقارنة مع دسامة التُهم المُوجهة. لذلك كان لا بُدّ من تشويه المُعتقلين السياسيين وتوجيه أخطر التُهم لهم، عبر احالتهم بموجب الجرائم الواردة بقانون مكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال. وبتعدّ صارخ على أبسط الحقوق والضمانات القانونية مثل آجال الاحتفاظ المضبوطة بالنسبة للإيقاف ومبدأ المواجهة بين الخصوم. حيثُ قدّمت بعض الشكايات والشهادات المُوجهة ضدّ المعتقلين السياسيين من قبل أطراف تمّ حجب هويتهم وأسمائهم.
لم يتوقّف سعيّد عند هذا الحدّ من الانتقام والتشفي، حيثُ سمح لنفسه بنصب محكمة سياسيّة قامت بإصدار حكمها قبل شُروع القضاء في النظر في هذه الملفات وصرّح بمناسبة زيارته الليليّة إلى مقرّ وزارة الداخليّة بتاريخ 14 فيفري 2023، أنّ “التاريخ أثبت قبل أن تُثبت المحاكم أنّهم مُجرمون” كما اتّهم القضاء بالتهاون والتغطية على الملفات في السابق ودعا القضاة “الشرفاء” لتحمل مسؤولياتهم مُعتبرا أنّ كلّ من “يُبرؤهم هو قطعا شريك لهم“، في تعدٍّ صارخ على قرينة براءة المتهم والحقّ في الدفاع.

كما تُعتبر هذه الزيارة دليلا إضافيا على عدم اقتناع الرئيس بمبدإ الفصل بين السلطات. وهو ما اتّضح منذ 25 جويلية 2021 حيثُ قرّر بمعيّة الإنقلاب الدستوري والمؤسساتي الذي قام به ترأس النيابة العمومية، قبل أن يتراجع تحت الضغط.
كما تأكّدت تلك النزعة نحو التسلّط والإنفراد بالحكم، صلب النظام السياسي الذي وضعه بدستوره أين أصبح يستأثر بكافة الصلاحيات دون فصل حقيقي بين السلطات التي صار يسميها “وظائف”. ويجدر بنا أن نُذكّر أيضا أنّ قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء اتّخذ خلال كلمة ألقاها رئيس الدولة من داخل مقر وزارة الداخلية ليلة يوم السبت 5 فيفري 2022 مع ما يحمله ذلك من رمزيّة تنتصر لذهنيّة دولة البوليس على حساب دولة الهياكل والمؤسسات.+

دفاعا عن الدفاع

لم يقتصر الأمر عند السجن والتنكيل بالموقوفين السياسيين داخل مُعتقلات النظام الحالي. بل امتدّت سطوة وعنجهيّة النظام إلى القيام بمُفارقات عجيبة تُنذرُ بتفشّي نطاق الاستبداد والشُروع في التصفية الجماعية ضدّ كلّ من يصطفّ في الدفاع عن المعتقلين السياسيين لقناعته بحقّ الدفاع المنصوص عليه صلب التشريعات الوطنيّة والاتفاقيات الدولية2.

المتهم.ةالصفةالتاريخالجهة الشاكيةنصّ الإحالةالسبب
العياشي الهمامي (المُثول أمام قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس والإبقاء عليه في حالة سراح، التحقيق في القضية ليزال مُتواصلا)محامي ومنسق هيئة الدفاع عن القضاة المعزولينتاريخ الشكاية: 2 جانفي 2023 تاريخ المُثول: 10 جانفي 2023وزيرة العدل (ليلى جفّال)المرسوم 54 لسنة 2022 الفصل 24تصريح إذاعي لراديو Shems FM وصف فيها طريقة التعامل مه ملف القُضاة المعزولين بالـ”مجزرة”.
عبد العزيز الصيدمحامي وعضو هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية ما يُعرف بالتآمر على أمن الدولة01 جوان 2023وزيرة العدل (ليلى جفال)المرسوم 54 لسنة 2022تبعا للندوة الصحفية التي عقدتها هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة بتاريخ 8 ماي 2023. حيثُ صرّح أنّ وزيرة العدل دلّست محاضر البحث
العياشي الهمامي (الإبقاء عليه في حالة سراح مع اتخاذ تدبير تحجير السفر في حقه ومنعه من الظهور في الأماكن العامة)محامي وعضو هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين10 أكتوبر 2023قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب استنطاقه من قبل قاضي التحقيق في القضية المُتعلقة بتكوين وفاق بغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي
إسلام حمزة
دليلة بن مبارك مصدّق
محامية وعضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين28 و29 سبتمبر 2023الوكالة العامة لدى محكمة الاستئناف بتونس التداول إعلاميا في وقائع قضية التآمر على أمن الدولة ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي.
إسلام حمزة (الإبقاء عليها في حالة سراح على ذمة القضية)محامية وعضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيينتاريخ الشكاية: 5 ماي 2023 تاريخ المُثول: 21 جوان 2023الإدارة العامة للسجون والإصلاحالمرسوم 54 لسنة 2022حول سيارة التعذيب التي يُنقل بها المعتقلين السياسيين من السجن إلى المُستشفى للعلاج أو إلى مكتب قاضي التحقيق.
دليلة بن مبارك مصدّقمحامية وعضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين05 ديسمبر 2023الوكالة العامة بمحكمة الاستئنافالمرسوم 54 لسنة 2022خرق قرار النيابة العمومية القاضي بمنع التداول الإعلامي والخوض فيما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة. (***)

إضرابات الجوع: أداة النضال الأخيرة عندما تُوصدُ نوافذ الحريّة

تُشكّل اضرابات الجوع أداة يلجأ إليها المُعارضون داخل الأنظمة الاستبداديّة والديكتاتوريّة للتظلّم والتنديد بحالة القمع والظلم التي يعيشونها. أين يُصبح تعريض النفس إلى الخطر وأحيانا إلى الهلاك، الحلّ الأوحد لإحراج النظام السياسي القائم ودفعه نحو التراجع عن بعض القرارات الزجريّة أو الالتفات لبعض المطالب المشروعة.

حيثُ إنّ اتخاذ قرار خوض معركة الأمعاء الخاوية وما يستوجبه ذلك من إعداد نفسي وبدني ووعي مُسبق بخطورة خوض هذه المرحلة وانعكاساتها المستقبلية على صحّة المُضرب وما قد يُلاحقه من أمراض واضطرابات قد تُلازمه طيلة حياته. يجعل من هذا النوع من التعبير عن الاحتجاج هو الأخطر لا بالنسبة للمُضرب عن الطعام فقط، بل حتى بالنسبة للنظم الاستبدادية والديكتاتورية. حيثُ تسعى هذه الأنظمة إلى تلميع صورتها تُجاه الرأي العام الدُولي والخروج تحت عباءة تطبيقها لمعالم الحكم السويّ واتخاذ النظام الديمقراطي ديدنا في ممارسة السلطة. حتى تُجازى هذه الصورة وإن كانت ظاهريّة فقط بنوع من المُباركة والحماية الدوليّة وتُشفع ببعض المُساعدات التي تضمن ديمومة نظام الحكم.

في تونس، شهدنا خلال الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا لوتيرة اضرابات الجوع التي شملت عديد القطاعات، ونُفّذت في عديد المواقع. (اضراب جوع المعتقلين السياسيين داخل السجن، اضراب جوع الصحفي خليفة القاسمي داخل السجن، اضراب المحامي مهدي زقروبة داخل مقر عمادة المحامين، إضراب القضاة المعفيين بمقر جمعية القضاة التونسيين، إضراب جوع عائلات المعتقلين السياسيين وأعضاء الديوان السياسي للحزب الدستوري الحرّ تضامنا مع رئيسة الحزب عبير موسي…) وهنا نلحظ تنوّع اضرابات الجوع بين ما هو مطلبي، تنديدي وتضامني، وتعدّد كذلك للمُتدخلين فيه. وذلك بهدف احراج السلطة السياسية ومنع جُنوحها أكثر نحو القمع والاستبداد.
إلّا أنّ رئيس الدولة لم يُحرّك ساكنا تُجاه هذه الفضيحة السياسية التي ستُحاصر أسوار نظام حكمه العاجز حتى على ايجاد حُلول للمطالب المشروعة الرافضة لسياسات التعسّف على القانون والشيطنة التامّة لكلّ من يُعارض المسار السياسي الفردي للرئيس. حيثُ ردّ خلال جولة ليليّة قام بها بتاريخ 4 أكتوبر إلى شارع الحبيب بورقيبة ومحطة القطارات بجبل جلود، على إضرابات الجوع داخل المعتقل السياسي بالقول: “… إنّ خصوم الأمس توحّدوا اليوم…” “…هناك من كان يصفُ خصمه بالسفّاح في السابق (يقصد راشد الغنوشي) واليوم أصبح يُسانده ودخل في إضراب جوع تضامنًا معه…” “…حتى في فرنسا هناك من أضرب عن الطعام… وفي الحقيقة لا وُجود لإضراب جوع كما يدّعون…” فعوض بحثه عن حلول تُنقذ مساره السياسي الذي أصبح محلّ وصم وتشكيك لتراكم العجز والفشل داخله ومُعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الخانقة بخطابات الشيطنة والتخوين، يُواصل الرئيس في ممارسة فلكلوره السياسي بخطابات تعكس حالة من الصبيانيّة السياسية التي تجعل من اضرابات الجوع وما يحوم بها من خطورة بالغة، محلّ تهريج خطابي.

التاريخالمضرب/بينالصفةمكان إضراب الجوعالسبب
22 جانفي 2023حمادي الرحماني
رمزي بحرية
محمد الطاهر الكنزاري
قضاةمقرّ جمعية القضاة التونسيين3 قضاة معفيّين دخلوا للمرة الثانية في اضراب جوع احتجاجي بمقر جمعية القضاة التونسيين. للتصدّي للانتهاكات الحافة بقرار رئيس الجمهورية بعزل 57 قاضيا بموجب أمر رئاسي. ** القاضي محمد الطاهر الكنزاري تقدّم بقضية بتاريخ 23 جانفي 2023، ضدّ وزيرة العدل ليلى جفّال مُتّهما إيّاها بعدم امتثالها للقانون.
13 ماي 2023الصحبي عتيققيادي بحركة النهضةالسجن المدني بالمرناقيةمُودع بالسجن بموجب قضية تتعلّق بغسيل الأموال. دخل إثر إيقافه بـ 3 أيام في اضراب جوع. 
– احتجاجا على أنّ الواشي تراجع عن أقواله وادّعى أنّه لا يذكُر شيئا، لكن قاضي التحقيق رفض إطلاق سراحه. (وقع نقله إلى العناية المركزة)
23 ماي 2023مهدي زقروبةمحاميمقر الهيئة الوطنية للمحاميناعتصام واضراب جوع تنديدا بفتح بحث تحقيقي ضده على معنى المرسوم 54 لسنة 2022، من قبل وزيرة العدل بعد اثارته لمسألة تضارب المصالح ضدّها
10 جوان 2023أحمد المشرقيرئيس مكتب حركة النهضةالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع احتجاجي  تنديدا بعمليّة احتجازه منذ 18 أفريل 2023 دون استنطاق أو توجيه تُهم له.
17 أوت 2023ريان الحمزاويرئيس المجلس البلدي المُنحلّ بالزهراءالسجن المدني بالمرناقيةاحتجاجا على الايقاف التعسفي والغير مبررفي حقه، والخرق الواضح للاجراءات التي رافقت ملفه. 
صدر في حقه بطاقة ايداع بالسجن بتهمة التآمر على أمن الدولة بموجب وشاية ضده أقرت بأن له علاقة وطيدة مع مديرة الديواني الرئاسي السابقة نادية عكاشة (دخل في غيبوبة بعد 7 أيام من دخوله في اضراب الجوع بعد تدهور حالته الصحية)
26 سبتمبر 2023جوهر بن مباركقيادي بجبهة الخلاصالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع دفاعا عن مطلب المعتقلين السياسيين بإطلاق سراحهم ** فكّ إضراب الجوع الخمسي 12 أكتوبر إثر زيارة وفد من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان نتيجة بداية دهور حالته الصحية. (دام اضرابه عن الطعام 16 يوما)
29 سبتمبر 2023راشد الغنوشيرئيس حركة النهضةالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع تضامني لمدّة 3 أيام. تضامنا مع القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك. دفاعا عن مطلب كلّ المعتقلين السياسيين بإطلاق سراحهم ورفع المظلمة عنهم. ** حُكم عليه بتاريخ 15 ماي بسنة سجن بتهمة تمجيد الإرهاب. (***)
2 أكتوبر 2023عصام الشابي
عبد الحميد الجلاصي
غازي الشواشي خيّام التركي
رضا بلحاج
المعتقلين السياسيينالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع  احتجاجا على تواصل المهزلة القضائية التي تتذرّع بيها السلطة لحرمانهم من حريتهم طيلة أشهر عديدة دون تقديم أيّ دليل على الاتهامات التي تمّ توجيهها لهم. المطالبة بإنهاء المظلمة المُسلّطة عليهم والافراج عنهم.
5 أكتوبر 2023عائلات المعتقلين السياسيين مقرّ الحزب الجمهورياضراب جوع تضامني مع المعتقلين
25 أكتوبر 2023خليفة القاسميصحفيالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع احتجاجي على سوء المُعاملة داخل السجن وايداعه داخل زنزانة مع محكومين في قضايا ارهابيّة.
 عبير موسيرئيسة الحزب الدستوري الحرّسجن النساء بمنوبةإضراب جوع على امتداد أيام حملة 16 يوم من النشاط لمناهضة العنف ضدّ المرأة في تونس. انتهاكات جسيمة لحقوقها الأساسية في الحريّة والصحّة والنشاط السياسي والانتماء الفكري.
10 نوفمبر 2023أعضاء الديوان السياسي للحزب الدستوري الحرّحزب سياسيمقرّ الحزباضراب جوع تضامني مع رئيسة الحزب لمدّة 48 ساعة كحركة احتجاجية للتنديد بالمظلمة المُرتكبة في حقّ رئيسة الحزب عبير موسي.
10 ديسمبر 2023عصام الشابي
غازي الشواشي خيام التركي
جوهر بن مبارك
عبد الحميد الجلاصي
رضا بلحاج
المعتقلين السياسيينالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع رمزي بمناسبة احياء الذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الانسان. وذلك: للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي غزّة. تنديدا بالانتهاكات الخطيرة والمُتصاعدة لحقوق الانسان بتونس. تنديدا بالاحتجاز القسري والمحاكمات على معنى المرسوم 54 لسنة 2022.

توسّع دائرة الانتهاكات والتضيّيق على الحريات

لم تتوقّف الانتهاكات والإعتداءات في حقّ الفاعلين.ات السياسيين والمدنيين في التعبير عن آراءهم تُجاه سياسات حكم الرئيس الجانحة نحو الاستبداد والتسلّط، في حدود ملف التآمر على أمن الدولة. بل اتّسعت رقعة الترهيب والقمع لتشمل العديد من الوجوه السياسية ورجال الأعمال والحقوقيين والنشطاء المستقلين… وبالرغم من تنوّع صفات وانتماءات المُتهمين، إلّا أنّ العديد منهم يتّحدون في السبب الدافع إلى الإيقاف وهو نقدهم لسياسات حكم الفرد أو طرحهم لبدائل سياسية عمليّة لإنقاذ البلاد من الوقوع في الاستبداد.

تمّت خلال سنة 2023 احالة ما يزيد عن 29 شخص من بينهم حوالي 19 ناشطا سياسيا بتهم مُتنوعة من بينها التآمر والتخابر مع جهات أجنبيّة. وهي من بين التُهم الخطيرة، والتي تترتب عنها عقوبات جزائيّة صارمة. هذا ما يُكسي طابعا سياسيّا ساخرا لهذه المُحاكمات التي كشفت عن نيتها المُتجهة نحو الإنتقام والتشفي. وهو ما يتّضحُ لنا من خلال التلاعب بالإجراءات وعدم احترام حقّ الدفاع والآجال المسموح بيها في الاحتفاظ. إلى جانب غياب أيّ مُعطى جدّي أو مُصارحة حقيقية للرأي العام بخصوص جديّة هذا الملف، بالتوازي مع تبرئة النيابة العمومية جميع الديبلوماسيين الأجانب المُعتمدين بتونس وتنزيههم عن التورّط في تهمة التآمر3 بعد أن تولّت بنفسها في السابق إدراج أسماءهم وصورهم صلب ملف القضيّة.
إنّ هذا التراجع يستوجب منطقيّا تراجُعا في القضيّة برمتها اعتبارا لانتفاء الفعل المُجرّم. إلّا أنّ السلطة السياسية لا تزال مُتعنّتة تأبى التراجع والاعتذار عن قضيّة تمّت فبركتها بهدف الانتقام والترهيب فقط. حيثُ تمّ الزجّ بالقضاء بعد تركيعه من قبل رئيس الدولة، لاستصدار بطاقات الإيداع والأحكام الزجريّة ضدّ المعارضين والنشطاء والفاعلين السياسيين والمدنيين.

هذا وقد تمّ اقحام العديد من الأطراف داخل سلّة المرسوم 54 لسنة 2022، حيثُ لاحظنا إحالة لعدد من شباب الأحياء الشعبيّة وطلبة المؤسسات الجامعيّة ومواطنين دون انتماء أو نشاط سياسي أو مدني على معنى فُصول هذا المرسوم رغم عدم مُعارضة العديد منهم لسياسات الرئيس وعدم اهتمام البعض الآخر بتقلبات الوضع السياسي في تونس والأزمات المُتتالية التي تُعاني منها منظومة الحكم القائمة.
إن هذه المعطيات تؤكّد إذا ما أضفنا إليها الانخفاض القياسي في نسبة المشاركة في مختلف محطات مشروع الرئيس (الاستشارة، الانتخابات التشريعية وحتى الاستفتاء) أنّ الرأي العام لا يدعم مشروع الرئيس السياسي على عكس ما يدّعيه المناصرين له.

إنّ السعي الدائم للسلطة السياسية نحو إلغاء الأجسام الوسيطة هو بمثابة إلغاء نتاج قرنين من التطوّر الذي عرفته الديمقراطية الحديثة4. حيثُ لا يُمكن الحديث قطعا عن الديمقراطيّة في غياب للأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والنقابات.
كما تتّسم الأنظمة الشعبوية عند محاولتها التمكّن بأجهزة الدولة وفرض نفوذها وسيادتها، إلى استغلال القوانين والتعسف عليها لتمرير مشاريعها التسلطيّة5. وهو ما فعله قيس سعيد بتعسّفه في قراءة الفصل 80 من دستور 2014 وحلّه للبرلمان والحكومة، وتطويع قانون حالة الطوارئ بطريقة كان الهدف منها هو منع النشاط السياسي للأحزاب وغلق مقراتها. حيث تمّ بموجب قرار صادر عن وزير الداخليّة كمال الفقي منع الاجتماعات بمقر حركة النهضة وجميع مكاتبها داخل التراب التونسي، فضلا عن منع الاجتماعات في مقرّ جبهة الخلاص بالعاصمة وذلك استنادا إلى الفصل 7 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. في هجوم واضح على حرية العمل السياسي عبر تسليط القمع الأمني ضدّه. في مشهدٍ يتماهى مع ما كانت عليه الأوضاع ما قبل ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي.

خاتمة

بقدر ما تحملنا جُرعات الأمل المُتبقية إلى أنّ نكسة الديمقراطيّة وضرب مكاسب الحريات في عهد الرئيس قيس سعيّد لن تعدُو عن كونها سحابة عابرة في تاريخ البلاد المُكثّف، ستنقشعُ بمجرّد انقضاء الزمن السياسي لحكم الفرد. إلّا أنّ شُيوع خطابات التخوين والوعيد المُوجّهة ضدّ النُخب السياسيّة والمدنيّة، يبقى عاملا مُحدّدا في تعكّر وضع الحريات في تونس ينضاف إلى نجاح الرئيس في إحكام قبضته على القضاء والجهاز التنفيذي. مع ترجمة نزعته التسلطيّة صلب نصوص تشريعية جديدة تنضاف إلى النصوص القانونية الزجريّة السابقة، إخماد أصوات الحقّ الصادحة بقيم الديمقراطيّة وبمكاسب ثورة الكرامة التي ضحّى في سبيل إقرارها جُموع التونسيين والتونسيات.
هنا يُطرح التساؤل عن الثمن الباهظ الذي سندفعه مُقابل استرداد البلاد من براثن العبث وإعادة بناء مؤسساتها الديمقراطية من جديد بعد هدمها من طرف سلطة قمعية ماضية نحو إعادة الاستبداد، أضحت تعتمدُ على الخوف و التخوين كأداة للحكم والتسلّط.

  1. Notion « d’homme-peuple », Pierre Rosanvallon, Le bon gouvernement, éd. Le seuil, 2015. ↩︎
  2. مثال: المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948، والمادة 14 من الإعلان الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.  ↩︎
  3. وفقا لبلاغ صادر بتاريخ 1 أفريل 2023 عن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب. ↩︎
  4. المولدي قسّومي، الصّراع السياسي في تونس زمن الانتقال الجمهوري، دار محمد علي للنشر، الطبعة الأولى 2023، ص 574. ↩︎
  5. Nadia Urbinati: “Populism and The Principle of Majority” in The Oxford Handbook of Populisme, (ed, Kaltwasser CR, Taggart P, Espejo PO and Ostiguy P), 2017.   ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246158/feed 0
بيان مساندة لموقع نواة  https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246138 https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246138#respond Fri, 09 Feb 2024 16:34:29 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6138 الصحافة الحرّة: العدوّ الدائم للأنظمة الاستبداديّة

تلقَّت إدارَة موقع نواة، بتاريخ 6 فيفري 2024، مُراسلة من طرف هيئة الانتخابات، تضمّنت لفت نظر حول مقال نُشر يوم 26 جانفي 2024، موضُوعه التعامل السياسي والقضائي مع ملفات التآمر على أمن الدولة. وقد اعتبرته الهيئة خرقا لقواعد الحملة الانتخابية، ونشرًا لأخبار زائفة ومُضلّلة، رغم أن موضوع المقال لا يرتبط بالانتخابات ويهدف حسب فريق تحرير نواة إلى “فتح النقاش العام” حول قضية سياسية وطنية. 

تندرج مراسلة هيئة الانتخابات ضمن سلسلة واسعة من التضييقات التي تستهدف حرية الصحافة في تونس. وتؤكّد عودة سياسة الرقابة على فضاءات التعبير والنقاش المُستقل. كما تُعتبر المحاكمات المستمرة للصحفيين منذ 25 جويلية 2021، والاعتماد على تشريعات تؤسّس لانتهاك حريتي التعبير والصحافة على غرار المرسوم 54 لسنة 2022، أكبر دليل على أن المنهج السياسي الحالي برئاسة الرئيس قيس سعيّد يهدف إلى المنع والتخويف، وفَرض تصورات أحادية لمختلف القضايا المطروحة في النقاش العام. 

لذلك فإنّ الجمعيات والمنظمات المُمضية على هذا البيان، تُعبّر عن تضامنها ومُساندتها لفريق تحرير موقع نواة، وحقهم/ن في ممارسة العمل الصحفي دون رقابة وتهديدات مسبقة، كما يهمها أن تعبّر عن:    

  • رفض حالة التوظيف المُتواصل لأجهزة الدولة والهياكل والمؤسسات المستقلة من أجل التضييق على الحريات والحقوق، وقمع الآراء السياسية والإعلامية الناقدة لسياسات السلطة الحالية، بقيادة الرئيس قيس سعيد. حيث تحوّلت هيئة الانتخابات، في هذا السياق، إلى ناطق رسمي باسم المشروع السياسي لرئيس الدولة، تسعى إلى ملاحقة كلّ من ينتقد المسار السياسي الحالي. 
  • استنكار تمادي السلطة الحالية في رفضها الاعتراف بحق مُخالفيها ومعارضيها في التعبير عن آرائهم المختلفة، وطرح تصورات ومشاريع لا تتفق مع الرؤية الرسمية. ولجوءها في أكثر من مرة إلى المنطق العقابي والتخويفي، من أجل قتل روح التداول والنقاش داخل الفضاء العمومي. 
  •  مُساندتها للصحفيين والصحفيات، الذين يتعرّضون يوميا للملاحَقات القضائية والأمنية، وأحيانا السجن، بسبب انتاجاتهم الصّحفية وآرائهم السياسية والإعلامية. 
  • التمسّك بدفاعها الدائم عن فضاء عمومي، حرّ وتعدّدي، تُضمن فيه حقوق وحريات الأفراد والجمعيات والأحزاب والنقابات، وكل الأجسام الوسيطة التي يشكل وجودها حضانة دائمة ضد عودة الواحدية السياسية وسلطة الفرد المطلقة.

الجمعيات والمنظمات الممضية:

  • البوصلة
  • جمعية المفكرة القانونية تونس
  • جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات
  • أصوات نساء
  • جمعية جسور المواطنة
  • الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان
  • جمعية كلام
  • محامون بلا حدود
  • دمج الجمعية التونسية للعدالة والمساواة
  • مراسلون بلا حدود
  • الاتحاد العام التونسي للشغل
  • الأورومتوسطية للحقوق
  • جمعية بيتي
  • المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
  • الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  • المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة
  • مراقبون
  • الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
  • اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس
  • جمعية الكرامة للحقوق والحريات
  • الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية
  • جمعية تفعيل الحق في الاختلاف
  • اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246138/feed 0
الأسئلة المتداولة في ما يخص بطاقة التعريف البيومترية https://www.albawsala.com/ar/publications/20246079 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246079#respond Tue, 23 Jan 2024 13:56:45 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6079

Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [492.42 KB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246079/feed 0
حصيلة تجربة اللامركزية في تونس : مساهمة في تقييم مرحلة الانتقال الديمقراطي https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246049 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246049#respond Fri, 19 Jan 2024 13:33:39 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6049
Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [5.71 MB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246049/feed 0
إحياءً للذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الحقوق حصانة الشعوب ضد الهيمنة والاستبداد https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20235914 https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20235914#respond Sat, 09 Dec 2023 16:54:19 +0000 https://www.albawsala.com/?p=5914 يُحيي العالم سنويّا، يوم 10 ديسمبر، الذكرى التي اعتمدت فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948. ويتزامن الاحتفال بالذكرى 75 لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، هذه السنة، مع الإبادات الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي تُعتبر من وجهة نظر القانون الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقد كشفَت هذه الغطرسة العسكرية انحياز قوى الهيمنة العالمية إلى مشاريع الإبادة والاستعمار، وضَربِها عرض الحائط كل المطالبات الحقوقية والإنسانية بإيقاف حرب الإبادة والالتزام بالقوانين الدولية. وهو ما يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى مواجهة حالة العطالة التي تمارسها قوى الهيمنة العالمية ضد منظومة حقوق الإنسان ومُلحقَاتها المؤسساتية والتشريعية. وباتت هذه الهيمنة في الحقيقة تشمل كل مناحي الحياة الإنسانية، من خلال تعميم نموذج السيطرة النيوليبرالية الاقتصادية على الشعوب، وفي مقدمتها شعوب الجنوب. وهو ما خلق وضعًا عالميا تطغى عليه مظاهر الفقر والمرض ومختلف أشكال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.

أما على الصعيد الوطني، تشهد بلادنا انزلاقا خطيرا نحو التضييق على الحقوق والحريات، من خلال عودة سياسات القمع واستخدام أجهزة الدولة في تصفية المعارضات السياسية، والإجهاز على كل مظاهر التداول العام عبر فرض تصور أحادي سلطوي يُجسده الرئيس قيس سعيد. وفي الأثناء يستمر الوضع الاقتصادي في التدهور، الذي تعاني آثاره شرائح اجتماعية واسعة. كما تشهد الخدمات العامة (الصحة، النقل، التعليم…) حالة من الانحطاط في ظل استمرارا تملص الدولة من التزاماتها الاجتماعية، واستمرار السلطة الحالية في الحفاظ على المنوال الاقتصادي والتنموي القديم.

في ظل هذه السياقات الدولية والمحلية، التي تُسيّجها لغة الهيمنة وسياسات السيطرة، تُجدد منظمة بوصلة التزامها بحق الشعوب في النفاذ إلى حقوق الإنسان، التي أصبحت عرضة للتلاعب والتمييز وشتى أشكال الانتهاك والتجاوز، ويهمها أن تعبر عن:

  • تضامنها اللّامشروط مع الشعب الفلسطيني ومقاومته في صمودهما ضدّ جيش الاحتلال الصهيوني. وتدعو جميع الأحرار في العالم إلى تكثيف أشكال الضغط على دولة الاحتلال وحلفائها، من أجل إيقاف العدوان وتفعيل القوانين الدولية التي تجرّم بوضوح حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد شعب بأسره.
  • تمسكها بتفعيل منظومة الحقوق الإنسانية كَحَامٍ أساسي للشعوب أمام إرادات الاستبداد والغطرسة والهيمنة العالمية.
  • تمسكها بالنضال ضد عودة الحكم الاستبدادي إلى بلادنا، مهما كان خطابه ومبرراته. والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي. خاصة ضحايا المرسوم 54 الذي أصبح أداة سلطوية من أجل ضرب حريات الصحافة والتعبير والنشر.
  • تدعو كل أنصار الحقوق والحرية والعدالة، إلى مزيد اليقظة والتعبئة المواطنية والمدنية ضد محاولات سلطة 25 جويلية لقتل الحياة العامة في البلاد، خاصة التضييق على النشاط الجمعياتي، من خلال تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011 المُتعلّق بتنظيم الجمعيات. إذ تهدف هذه المحاولة إلى تبرير المنع السياسي وإغلاق الفضاء العام مجددا أمام الناشطات والنشطاء.
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20235914/feed 0
إحياءً للذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الحقوق حصانة الشعوب ضد الهيمنة والاستبداد https://www.albawsala.com/ar/publications/20235916 https://www.albawsala.com/ar/publications/20235916#respond Sat, 09 Dec 2023 16:54:19 +0000 https://www.albawsala.com/?p=5914 يُحيي العالم سنويّا، يوم 10 ديسمبر، الذكرى التي اعتمدت فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948. ويتزامن الاحتفال بالذكرى 75 لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، هذه السنة، مع الإبادات الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي تُعتبر من وجهة نظر القانون الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقد كشفَت هذه الغطرسة العسكرية انحياز قوى الهيمنة العالمية إلى مشاريع الإبادة والاستعمار، وضَربِها عرض الحائط كل المطالبات الحقوقية والإنسانية بإيقاف حرب الإبادة والالتزام بالقوانين الدولية. وهو ما يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى مواجهة حالة العطالة التي تمارسها قوى الهيمنة العالمية ضد منظومة حقوق الإنسان ومُلحقَاتها المؤسساتية والتشريعية. وباتت هذه الهيمنة في الحقيقة تشمل كل مناحي الحياة الإنسانية، من خلال تعميم نموذج السيطرة النيوليبرالية الاقتصادية على الشعوب، وفي مقدمتها شعوب الجنوب. وهو ما خلق وضعًا عالميا تطغى عليه مظاهر الفقر والمرض ومختلف أشكال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.

أما على الصعيد الوطني، تشهد بلادنا انزلاقا خطيرا نحو التضييق على الحقوق والحريات، من خلال عودة سياسات القمع واستخدام أجهزة الدولة في تصفية المعارضات السياسية، والإجهاز على كل مظاهر التداول العام عبر فرض تصور أحادي سلطوي يُجسده الرئيس قيس سعيد. وفي الأثناء يستمر الوضع الاقتصادي في التدهور، الذي تعاني آثاره شرائح اجتماعية واسعة. كما تشهد الخدمات العامة (الصحة، النقل، التعليم…) حالة من الانحطاط في ظل استمرارا تملص الدولة من التزاماتها الاجتماعية، واستمرار السلطة الحالية في الحفاظ على المنوال الاقتصادي والتنموي القديم.

في ظل هذه السياقات الدولية والمحلية، التي تُسيّجها لغة الهيمنة وسياسات السيطرة، تُجدد منظمة بوصلة التزامها بحق الشعوب في النفاذ إلى حقوق الإنسان، التي أصبحت عرضة للتلاعب والتمييز وشتى أشكال الانتهاك والتجاوز، ويهمها أن تعبر عن:

  • تضامنها اللّامشروط مع الشعب الفلسطيني ومقاومته في صمودهما ضدّ جيش الاحتلال الصهيوني. وتدعو جميع الأحرار في العالم إلى تكثيف أشكال الضغط على دولة الاحتلال وحلفائها، من أجل إيقاف العدوان وتفعيل القوانين الدولية التي تجرّم بوضوح حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد شعب بأسره.
  • تمسكها بتفعيل منظومة الحقوق الإنسانية كَحَامٍ أساسي للشعوب أمام إرادات الاستبداد والغطرسة والهيمنة العالمية.
  • تمسكها بالنضال ضد عودة الحكم الاستبدادي إلى بلادنا، مهما كان خطابه ومبرراته. والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي. خاصة ضحايا المرسوم 54 الذي أصبح أداة سلطوية من أجل ضرب حريات الصحافة والتعبير والنشر.
  • تدعو كل أنصار الحقوق والحرية والعدالة، إلى مزيد اليقظة والتعبئة المواطنية والمدنية ضد محاولات سلطة 25 جويلية لقتل الحياة العامة في البلاد، خاصة التضييق على النشاط الجمعياتي، من خلال تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011 المُتعلّق بتنظيم الجمعيات. إذ تهدف هذه المحاولة إلى تبرير المنع السياسي وإغلاق الفضاء العام مجددا أمام الناشطات والنشطاء.
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20235916/feed 0
مقترحُ تنقيحِ مرسوم الجمعيّات: نحو إتلاف آخر مكاسب التجربة الديمقراطيّة https://www.albawsala.com/ar/publications/20235888 https://www.albawsala.com/ar/publications/20235888#respond Tue, 05 Dec 2023 17:56:27 +0000 https://www.albawsala.com/?p=5888 تُمثّل مكانة المجتمع المدنيّ ضمن رؤية الدّولة ونظام الحكم فيها تجسيدا لإحدى حالات الفَرْزِ بين النّظم الدّيمقراطيّة والنّظم الاستبداديّة، وذلك إمّا عبر مساع دائمة لنسف هذه الأجسام الوسيطة ومنعها من التّمَأْسس والتّنظّم كي لا يتسنّى لها إنجاز مهامّها الرّقابيّة والمواطنية وحتى الاحتجاجية في مواجهة محاولات الانحراف بالنّظام السّياسيّ، أو عبر دعم وجودها وتوفير كافّة الظّروف الملائمة للرّقيّ بمهامّها حتّى تتوفّر لها كافّة شروط المراكمة الفعليّة في سبيل دعم مكاسب الدّيمقراطيّة.

وفي هذا السياق، مثّل المرسوم 88 لسنة 2011 1 الذي صاغته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي الإطار القانوني لتنظيم تكوين ونشاط الجمعيات في تونس عوضا عن القانون المُنظّم لها قبل الثورة 2، وذلك استجابة للحدث التاريخي الهامّ الذي جاءت به الثورة التونسية والمُتمثل في خلق فضاء حقيقي للحرية والديمقراطية للتصدّي إلى كافة محاولات العودة إلى الاستبداد والتفرّد بالسلطة من جديد. وليكون هذا المرسوم مطبوعا بنفس تحرّري رسّخ حريّة تكوين الجمعيات وممارستها لنشاطاتها. 3
ساهم هذا البعد التحرري في ارتفاع عدد الجمعيات من 9600 جمعية سنة 2011 إلى 24.922 سنة 2023. حيثُ يُترجم هذا الارتفاع الهام إرادة المواطنين والمواطنات في المشاركة الفعليّة والفعّالة في اتخاذ القرارات والمُساهمة في مختلف المجالات التنموية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية.
إلّا أن هذا النص قد عرف مُحاولاتٍ عدّة لتنقيحه من قبل السلطة التنفيذيّة كمحاولة لكبح جماح هذا الهيكل الرّقابي والتّعديليّ والحدّ من الازعاج الدائم الّذي يمارسه تُجاه السلطة والجهاز التنفيذي التابع لها.
لكن تبقى محاولة التنقيح الأخيرة هي الأخطر على الإطلاق، والمُتمثّلة في مقترح قانون4 تمّ عرضه على برلمان الرئيس لتتمّ إحالته على لجنة الحقوق والحريات بتاريخ 12 أكتوبر 2023 للنّظر فيه ومناقشته قبل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة النهائية.

مقترح القانون الجديد: نحو غلق نهائيّ لقوس الديمقراطية

تتجلى محاولات ضرب الجمعيات في تونس من خلال حجم وخطورة التغييرات الواردة على مقترح القانون الجديد مقارنة بالضمانات التي تمّ التنصيص عليها صلب نصّ المرسوم 88 الذي احترم في صياغته المعايير الدولية المتعلقة بحريّة تكوين الجمعيات5، حيثُ يُمكن تلخيص الهدف من هذا التنقيح في الجُنوح الواضح نحو إطلاق يد الإدارة والسلطة التنفيذية على مختلف المستويات قصد تغليف محاولات التضيّيق والخنق تُجاه الجمعيات بروح من الرّقابة والحماية المغشوشة. 
تتمثّل الخطورة الأولى الواردة بنصّ المُقترح، في محاولات ضرب مبدأ استقلالية الجمعيات عبر حذف عبارة “والحفاظ على استقلاليّتها” الواردة بالفصل الأوّل من المرسوم 88 الذي يضبط أهدافه ومجال ضماناته. وقد تمّت ترجمة هذه النّزعة التسلطية الرامية إلى الخنق والتضييق المُحكم على العمل الجمعيّاتي في العديد من الفصول اللاحقة في مقترح القانون، إذ نجد في الفصل 6 التّنصيصَ على تبعيّة كلّ جمعية لوزارة معيّنة حيثُ تُضبط عملية التوزيع انطلاقا من اختصاص كل جمعيّة.  على سبيل المثال أن تُتبع الجمعيّات الناشطة في المجال البيئي لوزارة البيئة والجمعيات الناشطة في مجال الصحّة لوزارة الصحّة… وتُوكل لهذه الوزارات مهام الإشراف والرقابة على أنشطة تلك الجمعيات حيث يمنحُ الفصل 23 للوزارة المختصة الحق في “التأكد من مطابقة أعمال الجمعيات للقانون حسب نوعية نشاطها” وهو ما يمثّل شكلا من الرقابة الهيكلية التي لا نجدها إلا في الدكتاتوريات، أما في دولة القانون، لا يمكن أن تمارس الرقابة منطقيا إلا من قبل الأجهزة الرقابية المختصة أو القضاء.  

وبهذا الشكل فإنّ الرقابة القبليّة واللاحقة على الجمعيات من قبل وزارة الإشراف سيحدّ من الدور الموكول لها (أي الجمعيّات) والمُتمثّل خاصة في مُراقبة أعمال الحكومة وتقديم المُقترحات الضروريّة بهدف الارتقاء بنشاطها وتحقيق المصلحة العامة، مع العمل على الحدّ من محاولات الانحراف والتسلّط، فقد اضطلعت الجمعيات طيلة فترة الانتقال الديمقراطي بدور أساسي في دفع المواطنين والمواطنات للاهتمام بالشأن العام من خلال انخراطهم صلبها ومُمارستهم لأعمال الرقابة والمُشاركة في أنشطة المؤسسات والهياكل العمومية سواء منها المركزية مثل الوزارات والهيئات… أو الجهوية والمحلية مثل البلديات والمندوبياّت التابعة للوزارات. وذلك عبر مطالب النفاذ إلى المعلومة والمراقبة المواطنيّة للتخطيط وتنفيذ المشاريع. 

كما ادّعى مقترح القانون الجديد المحافظة على نظام التصريح الذي أقرّه المرسوم 88 في إجراءات الإعلان عن الجمعيات، لكن في الواقع نلاحظ أنّ نظام التسجيل المُقترح يمنح سلطة تقديريّة واسعة للإدارة المعنيّة بالعلاقة مع الجمعيات برئاسة الحكومة لتعطيل عمليّة إنشاء الجمعية قانونيا لمدّة شهر من تسلّم التصريح (الفصل 9-2) وهو ما يعطيها عمليا صلاحية رفض التأسيس. كذلك منحت الفقرة 3 من الفصل 9 صلاحيّة الإدارة في تقديم عريضة إلى القضاء المُختصّ للفصل في مطلب إبطال الإعلان دون أن ينصّ الفصل على ضرورة تقديم حُجج أو أسباب لهذا الطلب. وهو ما سيجعل من هذه الصلاحية سلاحا يُستعمل لتعطيل انشاء الجمعيات وسلطة مُشطّة قد تُستعمل أيضا بهدف التعسّف والتشفي. 

 مع الاعتماد على نظام ترخيص مقنّع6 بخصوص الجمعيات الوطنيّة، أقرّ مقترح القانون الجديد نظاما قائما على الترخيص بالنسبة للمنظمات الأجنبية. حيث نصّ مقترح القانون على ضرورة حصول المنظمات الأجنبية على ترخيص صادر من وزارة الشؤون الخارجية يُمكّنها من انشاء فروع لها في تونس (الفصل 6) ، على أن يُسند هذا الترخيص بصفة مؤقتة أو أن يقع تجديده بصفة دورية مع إمكانية سحبه بموجب قرار وفي أي وقت كان (الفصل 20). وهو ما يتعارض مع ما جاء في تقرير المُقرّر الخاص المعني بالحق في حرية التجمّع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، ماينا كياي، حيثُ أقرّ بضرورة أن تخضع فروع الجمعيات الأجنبية لنفس “إجراءات الإشعار” بالنسبة للجمعيات الوطنية باعتبار أنّ هذا الإجراء هو الأفضل امتثالا للقانون الدولي لحقوق الانسان من “إجراء التصريح المُسبق” الذي يقتضي الحصول المُسبق على موافقة السلطات لإنشاء الجمعية ككيان قانوني7. إنّ مثل هذا الإجراء يُعتبر محاولة واضحة المعالم للضّغط على المنظمات الأجنبية واخضاعها لأساليب الضغط في صورة عدم الرضا على نشاطاتها أو قراراتها. وكذلك محاولة للضغط غير المباشر على الجمعيات المحليّة بخنق مصادر التمويل في صورة قيامها بنشاط لم يرُق للجهاز التّنفيذي في الدولة. كما يتعارض حتى مع موقف الدولة التونسية بعد 25 جويلية8 بمناسبة ردّها على المراسلة الصادرة عن المُفوضية السامية لحقوق الإنسان حول طلب تقديم ملاحظات بخصوص ما ورد في البلاغ المُشترك الصّادر عن مكتب الإجراءات الخّاصة لمجلس حقوق الإنسان والمُتعلقة بفحوى مشروع تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011، أين أشادت بضرورة المُحافظة على نظام التصريح في تكوين الجمعيات الوطنية وفروع المنظمات الدوليّة مُعتبرة إيّاه مبدأ لا يجوز التراجع عنه9
نصّ الفصل 6 على أن هذه المنظمات الأجنبيّة تخضع للرقابة والإشراف في نشاطاتها للإدارة العامة برئاسة الحكومة، وبالتالي فإنّ هذه المنظمات تخضع أيضا لسلطة الجهاز التنفيذي مثلها مثل الجمعيات. 
هذا النظام تمّ استجلابه من القانون المُنظّم للجمعيات الذي سبق المرسوم 88 10، والذي كان ينصّ في فصله 17 على أنّ تكوين أي جمعية أجنبية ونشاطها لا يُمكن أن يكون إلّا بعد تأشيرة قانونها الأساسي من طرف كاتب الدولة للداخلية مع إبداء رأي كاتب الدولة للشؤون الخارجيّة. كما يُمكن أن تُمنح هذه التأشيرة بصفة مؤقته أو أن يقع تجديدها بصفة دوريّة حسب مقتضيات الفصل 19 من نفس مقترح القانون. وهنا نستوضِحُ النزعةَ التسلطيّة التي استلهمها مقترح هذا القانون عبر رفضه لما تمّ تكريسه صلب المرسوم 88 الذي صيغت مختلف أحكامه بالروح التحرريّة التي أحدثتها ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي 2011، واستحضارِ نصّ صاغته أيادي الاستبداد والتسلّط. وهو ما نتبيّنه كذلك من خلال توسيع نطاق العقوبات في الفصل 22 من مقترح القانون ليشمل أشخاصا قد لا تكون لهم أي دراية بالمخالفات التي يمكن أن تقترفها المنظمات الأجنبية، مثل النشاط دون رخصة، إذ عادة ما يكون المشاركون في نشاط الجمعيات أو بعض المتصرفين فيها على عدم عِلْم مُسبق ببعض الإجراءات والقرارات الإدارية المُتخذة، وبالتالي فإنّ وضعهم تحت طائلة العقوبات المقررة في هذا الفصل فيه نوع من التجنّي لغياب عنصر القصد أو المشاركة في اقتراف هذه الأفعال، ما لم يكن الهدف من ذلك هو التشفيّ والانتقام منهم لمجرّد الانتماء لتلك الجمعيات وهو ما يُحيلنا إلى المُمارسات الاستبداديّة زمن حكميْ بن علي وخاصة بورقيبة، حيثُ كان النظام وقتها يُلاحق ويسجُن المُعارضين بتهمة الإنتماء لجمعيات غير مُرخّص لها للنشاط.  

نَصَّ مقترح القانون المعروض على أنظار لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب على أنّ النشاط صلب الجمعيات وجب أن يكون نشاطا تطوعيّا، أي دون مقابل ماديّ. وهنا لا بدّ أن نذكر أن تطور العمل في الجمعيات ليأخذ شكلا احترافيا و تقنيا يمثّل ظاهرة عالمية يمكن مناقشة إيجابياتها و سلبياتها، إلا أنّ السّعي إلى منعها تماما لا يمكن أن يندرج إلا في إطار رغبة السلطة في إضعاف و إسكات جميع الأصوات المقلقة و الناقدة لممارساتها.   

كما نطرح من جهة أخرى تساؤلا حول مدى الفهم المُسبق لما تُوفّره منظمات المجتمع المدني من مواطن شُغل وإدماج للمتخرّجين الجُدد من المؤسسات الجامعية خاصة أمام ضعف طاقة الدّولة التشغيلية ووجود العديد من القطاعات الأكاديمية على هامش رؤيتها في برامج التّشغيل. حيث يتراءى لنا هنا دور منظّمات المجتمع المدني ومساهمتها في تحقيق السلم الاجتماعي عبر إدماج خرّيجي هذه القطاعات وتوفير مواطن شغل لعدد كبير منهم في مجالاتها المختلفة. إذ رغم عدم توفر معطيات دقيقة لدى مؤسسات الدولة حول عدد العاملين والعاملات بالجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، يكفي أن نذكر عدد المنتفعين بعقود الخدمة المدنية والتطوعية لدى الجمعيات الذي بلغ 168600 بين 2011 و2019 حسب الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل11 ليتبين لنا قدرة الجمعيات على استيعاب اليد العاملة والتخفيف من حدّة البطالة.  

تُمثّل عقود الخدمة المدنية لدى الجمعيات إحدى الآليات التي تعتمدها الدولة في سياستها المحفّزة للتشغيل (البرامج النشيطة للتشغيل) وهو ما يبرز جهل أصحاب هذا المقترح بالسياسات العمومية للدولة ويجعلنا نشك في مدى جديته. فكيف لمقترح قانون ينظم نشاط الجمعيات أن ينصّ (في فصله الثاني) على أن العمل فيها تطوعي في الوقت الذي تنظّم فيه الدولة آلية تشغيل لدى الجمعيات؟   

من ناحية أخرى، تُساهم هذه الفئة النشيطة في دعم الصناديق الاجتماعية من خلال اشتراكاتهم الشهرية، مع المساهمة في دعم ميزانية الدولة عبر دفع الضرائب وتوفير العُملة الصّعبة حيثُ قُدّر حجم التحويلات من العملة الصعبة المُتأتية من التّمويل الأجنبيّ المُقَدّم في إطار التعاون الدولي، بما لا يقل عن 68 مليون دينار سنة 2017 و78 مليون دينار سنة 201812

كما نستقي من مقترح هذا القانون إحدى المُحاولات الأخرى والمُتعدّدة للتّضيّيق على الجمعيات وضرب حريّة نشاطها في التخفيّ بتعلّة الإرهاب باعتبارها جريمة بالغة الخطورة ولها تشعبات مُعقّدة ومُركّبة، واستعمال ذلك كحجّة للضّغط والتّضييق على الجمعيات من خلال التنصيص صلب الفصل 24 من مقترح القانون على صلاحية رئاسة الحكومة في حلّ الجمعيات ذات الخلفية أو الشبهة الإرهابية بصفة آلية. وهنا نرى سطوة السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة القضائية واستعمال مجرد الشبهة كشرط لحل الجمعية. 
سيكون هذا الفصل بمثابة أداة للتهديد والضغط على الجمعيات التي ستحاول ممارسة دورها الرقابي بكل حرية لتصحيح أو نقد بعض السياسات الحكومية.  

علاوة على ذلك، لا وجود لأيّ حاجة تُبرّر استحداث هذا الفصل، حتى أنّ الحجة القائمة على القول بأن المرسوم 88 يساهم في تغذية الارهاب ماليا سرعان ما تتهاوى. فقد أقرت مجموعة العمل المالي الدولي في أحدث تصنيفاتها أن تونس تُعتبر من بين الدول “الممتثلة تماما” في خصوص منع تمويل الجمعيات للإرهاب وتبييض الأموال. كما أن بلادنا تُعتبرُ، وفقا لهذه التصنيفات ولتأكيد المقرر الأممي، من بين أفضل خمس تشريعيات دولية في هذا المجال. 

من جهة أخرى، فإن القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 (والّذي تم تنقيحه سنة 2019) والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، ساري المفعول في علاقة بشبهات تمويل الجمعيات للإرهاب. كما أن الأحكام والضوابط والقيود المتعلقة بالمحاسبة العمومية ومختلف العمليات المالية تسري كذلك على الجمعيات بوصفها ذوات معنوية خاضعة للتشريع المالي والجبائي الوطني. 

حيثُ أكّدت مديرة ديوان رئيس الحكومة بمناسبة الجلسة العامّة المُخصّصة للنظر في مهمة رئاسة الحكومة في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، أنّ القضاء أصدر أحكاما تتعلّق بحلّ 69 جمعيّة من جملة 266 وقع طلب تعليق نشاطها وذلك لشبهة تلقيها أموالا مشبوهة13. وهو ما يُؤكّد توفّر الآليات اللازمة صلب القوانين المُنطبقة والمرسوم 88 بخصوص الرقابة على الجمعيات ومُساءلتها وتسليط العقوبات اللازمة عليها عند الاقتضاء. 

حاول مقترح القانون إضفاء قناع زائف عبر إحداثه صلاحيةً جديدةً للجمعيات لم نر لها وجودا في السابق، وتتمثّل في صلاحيّة استصدار العرائض الشعبية والطلبات التشريعية: وهو إجراء جديد جاء به مقترح هذا القانون، إلا أنه وجب علينا أن نسُوق ملاحظة متمثلة في الشّرط التعجيزي في إصدار الطلبات التشريعية التي تستوجب جمع نصف مليون توقيع مواطن أو توقيع ألفي جمعية (2000). وهنا نطرح تساؤلا عن إمكانية بقاء هذا العدد من الجمعيات في تونس في ظلّ وجود أحكام تضييقية على نشاطها.  

يتمثّل الهدف الواضح من وراء مقترح القانون المنظِّم للجمعيات في مزيد إطلاق يد الإدارة لفرض التّضييقات على الجمعيات والمنظمات دون أن تكون هنالك أي خطة واضحة أو مُستحدثة في مقترح هذا القانون لمراقبة التمويل الأجنبي ومنع التهرب حسب السرديات المُهيمنة. بل لم تحضر سوى الأحكام المتعلقة بالتضييق والرقابة على الأنشطة ومحاولات توسيع الحق في إلغاء وجود الجمعيات أحيانا دون اللجوء إلى القضاء للفصل فيها. 

حتى أنّ التعلّل بحجّة التمويل الأجنبي وضرورة منعه استنادا إلى الادّعاء أنّ الجمعيات تستغلّ هذه الموارد لخدمة الأجندات الأجنبيّة ودعم الإرهاب هو تصوّر نابع من جهل عميق بالتشريعات الوطنيّة ومجال عمل وتدخّل الجمعيات والمنظمات في تونس. حيثُ إنّه وإلى جانب المرسوم 88 المنظم للجمعيات كنص إطاري، فإنّ مجال نشاط الجمعيات مُغطّى بعدّة قوانين أخرى مُكمّلة ومُتمّمة للمرسوم، تتمثل هذه القوانين أولا في القانون عدد 52 المؤرخ في 29 أكتوبر 2018 والمتعلق بالسجل الوطني للمؤسسات. وللتذكير، فقد تمّ سنّ هذا القانون بناء على توصيات من مجموعة العمل المالي GAFI والتي صنّفت تونس سنة 2017 ضمن القائمة السوداء للبلدان التي يُمكن أن تكون أكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الارهاب. ولئن كان إدراج المؤسسات والشركات بمختلف أصنافها أمرا معقولا، فإنّ إدراج الجمعيات في هذا السجل – الذي من المفترض أن يشمل حصرا المؤسسات كما تشير تسميته – رافقه العديد من التساؤلات والرفض من قبل بعض النواب في المجلس التشريعي الأسبق ومكونات المجتمع المدني. وفي هذا التوجه نفسه، عبّر المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات حينها عن استغرابه من هذا الإدراج غير المنطقي مُؤكّدا أنّ المرسوم عدد 88 يمثل إطارً قانونيا كافيا ويستجيب للمعايير الدولية الكافلة لحرية التنظّم14.  

أمّا على المستوى المؤسساتي، يمكن تقسيم الهياكل والمؤسسات المتدخلة في النشاط الجمعياتي الى صنفين رئيسين:  

– هياكل إدارية تتمثل أساسا في الإدارة العامة للجمعيات والإدارة العامة للعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني والسجل الوطني للمؤسسات بوصفة مؤسسة عمومية غير إدارية ووزارة المالية والبنك المركزي وبالخصوص لجنة التحاليل المالية صلبه.  

– هياكل قضائية تتمثل في المحكمة الابتدائية بتونس الّتي أسند لها المرسوم 88 صلاحية حصرية تتعلق بالتنبيه والحلّ. إضافة إلى الدور الكلاسيكي للمحكمة الإدارية فيما يخصّ مختلف المسائل المتعلقة بالشأن الإداري ومحكمة المحاسبات المتخصّصة في المسائل المالية.  

من الواضح إذن أنّ الإطار القانوني والمؤسساتي لتنظيم الجمعيات في تونس يتميّز بتعدّد النصوص والهياكل وتكامل الأدوار بينها من خلال تخصّص كل هيكل في جانب مُحدّد. هذا التكامل يجعل من مختلف مراحل دورة حياة أي جمعية، تأسيسا ونشاطا ورقابة واضمحلالا – خاضعة بالضرورة الى الأحكام القانونية الخاصة بها.  
وبالتالي فإنّ أي نَقْص أو تجاوز يتمّ رصده من الأجدى أن تتمّ مُجابهته عبر تفعيل آليات الرقابة التي يُنظّمها المرسوم 88 لسنة 2011 وتحسين عمل لجنة التحاليل المالية وإدارة البنك المركزي ومزيد تدعيم لجان المراقبة برئاسة الحكومة والترفيع من عدد الموظفين صلبها، حيثُ أنّه وبالرجوع إلى مهمّة رئاسة الحكومة ضمن ميزانية الدولة لسنة 2023 نرى أنّ عدد الأعوان صلب الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسيّة هو 23 عونا، في الوقت الذي يُناهز فيه عدد الجمعيات الموجودة 20 ألف جمعيّة.15 

إنّ الهدف من مقترح هذا القانون إذن هو الرغبة الجانحة في استهداف الجمعيات وضرب لأحد الأعمدة المهمة في الرقابة والمساءلة لأعمال السلطات العمومية ولا وُجود لأيّ نيّة صادقة تهدف لحماية السيادة الوطنيّة واستقلاليّة القرار الوطني مثلما ادّعت وثيقة شرح الأسباب المُرافقة لنصّ مقترح القانون، خاصة وأنّ نفس مُموّلي الجمعيات في تونس هم مُمولون وشركاء للهياكل والمؤسسات العموميّة التابعة للدولة بهدف انجاز المشاريع في إطار التعاون الدولي. 
ويُمكن أن نُشير هنا لما جاء في مشروع قرار مجلس حقوق الإنسان في دورته الثالثة والخمسون بخصوص الحيّز المُتاح للمجتمع المدني16 ومن الطريف أنّ تونس كانت من بين مجموعة الدول التي بدأت سنة 2021 في الإشتغال على صياغة مشروع هذا القرار ومن بينها الشيلي وإيرلندا. وقد شدّد مشروع هذا القرار على العديد من النقاط في خصوص حماية الفضاء المدني، لعلّ أهمّها والذي يتناقض بصورة صريحة مع ما تمّ اقراره بمقترح القانون المتعلق بتنظيم الجمعيات، هو التشديد على ضرورة عدم فرض قيود غير مُبرّرة على تمويل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني مع التنصيص على الحقّ في حرية تكوين الجمعيات والقدرة على المُشاركة الفعّالة والمُجدية في عمل المنظمات الوطنيّة والإقليمية والدوليّة. 
حثّ مشروع هذا القرار أيضا الدُول على ضرورة تهيئة وصون بيئة آمنة وتمكينية عبر وضع قوانين وسياسات مُلائمة، يُمكن من خلالها أن يعمل المجتمع المدني في جوّ خالٍ من العوائق وانعدام الأمن، وهو ما سيُمكّن الدُول من الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها الدوليّة القائمة في مجال حقوق الإنسان، حيثُ أنّ غياب هذه البيئة الآمنة سينعكسُ سلبًا على قيم المُساواة والمُساءلة وسيادة القانون مع ما يُمكن أن يترتّب من آثار على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.17 

كما ورد في إجابة الدولة التونسية بخصوص البلاغ المشترك الصادر عن مكتب الإجراءات الخّاصة بمجلس حقوق الإنسان والمتعلقة بفحوى مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 والمتعلق بتنظيم الجمعيّات، العديد من المُغالطات والمُخاتلات من بينها اعتبار أنّ المرسوم 88 لم ينصّ على ضرورة إعلام الكاتب العام للحكومة بالتغيّيرات التي تطرأ على الهياكل المُسيّرة للجمعيات وهو ما قد يتسبّب في عدم معرفة المُسيّرين بعد مرحلة التأسيس، كذلك الإعلام بالجلسات العامّة العاديّة والخارقة للعادّة والإنتخابيّة والإستثنائيّة إلى جانب التقارير الأدبيّة والمالية بصفة دوريّة وفقا لأنشطتها الأساسيّة. 
إلّا أنّ الفصل 16 من المرسوم 88 فرض ضرورة أن يُعلم مُسيّرو الجمعية الكاتب العام للحكومة عن طريق مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ بكلّ تنقيح أُدخل على نظامها الأساسي في اجل أقصاه شهر من تاريخ اتخاذ قرار التنقيح ويقع إعلام العموم بهذا التنقيح عبر وسائل الإعلام المكتوبة وعبر الموقع الإلكتروني للجمعية إن وُجد. كما أنّ الباب السابع من المرسوم ضبط في العديد من الفصول اجراءات وآليات مراقبة موارد الجمعيات وحساباتها على أن تُرفع تقارير الحسابات المُنجزة من قبل مُراقب الحسابات إلى الكاتب العام للحكومة. كما تمّ التنصيص على ضرورة أن تحتفظ الجمعية بوثائقها وسجلاتها المالية لمدّة عشر سنوات، وهو ما يضمن بقاء الأثر لتتسنى امكانية التتبّع حتى بعد مرور عديد السنوات. وهو ما يدحضُ الإدّعاء القائم على أنّ المرسوم 88 يفتقرُ إلى آليات الرقابة اللازمة على مُستوى التكوين والنشاط والموارد الماليّة. 

سياق سياسي مُلائم للمرور بقوة 

دون مبالغة، يُعتبر مرسوم 88 المُنظّم للجمعيات أكثر نص قانوني عرف مُحاولات مُتعدّدة لإعادة النظر فيه منذ سنة 2016. غير أنّ ما يُميّز هذه المُحاولة هو السياق الذي تتنزل فيه، إذ لا يُمكن فهم التغييرات الجذرية المقترحة دون تنزيلها في سياقها السياسي 

تعيش البلاد منذ 25 جويلية 2021 إلى حدود اليوم حالة من العبث القانوني والسياسي، فبعد المرور بقوة واستعمال الفصل 80 في غير محله لتجميد البرلمان المنتخب ثمّ تعليق العمل بالدستور بموجب الأمر 117 من قبل من أقسم على احترامه، لا يمكن اعتبار وضع دستور جديد وعقد انتخابات تشريعية خروجا من حالة “الاستثناء” حيث واصل قيس سعيّد نسف جلّ مكتسبات البناء الديمقراطي من هيئات مستقلة سواء عبر إلغائها بالقوّة أو ضرب استقلاليتها من خلال تغيير تركيبتها بأشخاص مُوالين له. 
 
وفي هذا الإطار يُمكن أن نستعرض بعضا من إجراءات النّسف والإلغاء التي قام بها رئيس الجمهورية، حيثُ وإثر تجميده ثم حلّه للمؤسسة التشريعية المنتخبة، تولى إلغاء نشاط الهيئة الوطنية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، ثم حلّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يليها حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقّت تولى بنفسه تعيين تركيبته وإصدار النصّ القانوني المُنظّم له، إضافة الى التغيير الجذري لتركيبة مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي أفقدها “استقلاليتها”. 
 
إنّ هذه الخطوات تعكس إرادة رئيس الجمهورية في القطع الأعمى والجذري مع ركائز المشهد الدستوري والمؤسساتي القائم منذ سنة 2014 (أو حتى قبله في ما يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات)، وهو تمشّ ما انفك يتأكد شيئا فشيئا خاصة في علاقة مع السلط المضادة مهما اختلفت طبيعتها (دستورية، عمومية، قضائية) والأجسام الوسيطة (جمعيات، إعلام، أحزاب سياسيّة…) الواقعة تحت وطأة الترهيب والتشويه المُمنهج من قبل الرئيس، حيثُ نراه لا يُفوّت أي مناسبة للتعريج عليها ليصمها بمختلف عبارات التخوين والعمالة وتحميلها الفشل السابق وحتى اللاحق الناتج عن سياساته الفردانيّة. حالة المواجهة المباشرة تلك بين السلطة السياسية والمجتمع المدني تُؤدي في غالب الأحيان إلى تغلّب أحدهما على الآخر، لكنّها لا تُؤدي مطلقا إلى تغلّب الديمقراطيّة18
 
في هذا الإطار العام، يمكن لنا فهم النظرة العدوانية تجاه المجتمع المدني حيثُ وصف رئيس الجمهورية الناشطين.ات فيه في خطاباته بأنهم ” عملاء” يرتمون في “أحضان الخارج ” لأنهم ” امتداد لقوى خارجية “. فالرئيس ماض في مشروعه الذي يحمله منذ الثورة والقائم على هدم كل ما هو قائم دون أي محاولة للتقييم الموضوعي بهدف تثمين الايجابيات وتجاوز النقائص والحدود. فاعتقاده راسخ وجازم بفساد كامل المنظومة السابقة له، بل وأنّ الضرورة التاريخيّة والشرعيّة تكمُن في الهدم وإعادة البناء حسب إرادته الفردانيّة ورغبته في دخول التاريخ.  

 
وبالرغم من إمكانية التحاجج بأنّ هذا المقترح عُرض من طرف عدد من النواب الذين تمّ انتخابهم من قبل الشعب ومناقشته داخل المُؤسسة التشريعيّة، وبالتالي فإنّ مُرور هذا المقترح والمُصادقة عليه بعد نقاشه صلب اللجنة المعنية بالنظر وصلب الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب سيجعل منه قانونا يكتسي نوعا من المشروعيّة، 
إلّا أن برلمان الرئيس بصيغته الحالية لن يعدُو أن يكون أكثر من مكتب للتأشير بالقبول على قرارات السلطة التنفيذية الخاضعة لأهواء وتصوّرات رئيس الجمهورية. بل إنّ عقول جلّ “الوظائف الدستوريّة” تشتغل ضمن أطر براديغمات السلطة العليا في البلاد. حيثُ نلتمسُ من عبارات مقترح قانون تنظيم الجمعيات بصمة الرئيس ونفسه العُدواني السّاعي وراء إلغاء الأجسام الوسيطة والعودة بالحياة السياسية إلى طور الدولة الأوليّة التي ارتبطت بالشكل النّطفي المُبكّر جدّا للعقد الاجتماعي الذي يسعى إلى تحويل الشعب إلى ما يُشبه الوحدة السياديّة بين يديْ القائد ورهن تصرّف عقله السياسي19. وهذا ما يتراءى لنا واقعيّا من خلال ترجمة خطابات الشيطنة التي شنّها الرئيس على منظمات المجتمع المدني في العديد من المناسبات لعلّ أهمّها تعامله العنصري ضدّ المهاجرين.ات الأفارقة -جنوب الصحراء واتّهام الجمعيات المُدافعة عن حقوقهم وكرامتهم الإنسانية بخدمتها لأجندات خفيّة تسعى إلى دعم توافدهم بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية للشعب التونسي، في تبنّ واضح لأطروحات أقصى اليمين الأوروبي العنصرية، و جهل كامل بالتركيبات الديمغرافيّة التاريخية لسكّان شمال إفريقيا وتجاهل لأدنى ركائز حقوق الانسان في أبعادها الكونيّة والشمولية. 
 
إنّ نقطة الالتقاء الوحيدة بين المرسوم عدد 88 ومقترح القانون المعروض على أنظار برلمان قيس سعيد هو ترجمتهما للسياق الذي تنزّلا فيه، نفس تحرّري للأول، وتمشّ تسلطي للثاني. وهو ما يعكسُ عموما الفرق بين السياقين السياسيين، سياق ديمقراطي وتشاركي وسياق استبدادي وشعبوي.



  1. مرسوم عدد 88 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 يتعلّق بتنظيم الجمعيات ↩︎
  2. قانون عدد 154 لسنة 1959 مؤرخ في 7 نوفمبر 1959 يتعلق بالجمعيات. وقد تمّ تنقيح هذا القانون في مناسبتين: 
    الأولى بمقتضى القانون الأساسي عدد 90 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988. والثاني بمقتضى القانون الأساسي عدد 25 لسنة 1992.  ↩︎
  3. Hafidha Chekir : L’importance et les acquis du décret-loi 88 : Emancipation de la liberté de constituer des associations. PCPA-Soyons Actifs/Actives (2017). ↩︎
  4. مقترح قانون أساسي عدد 027/2023 يتعلق بتنظيم الجمعيات. ↩︎


5  تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، ماينا كياي، الأمم المتحدة – الجمعية العامة، صفحة 18 – 25. 

6 حافظ مقترح القانون شكليا على نظام التصريح إلا أن الإجراءات التي فرضها تجعله نظام ترخيص مقنع 

7 Rapport du Rapporteur spécial sur le droit de réunion pacifique et la liberté d’association, MAINA KIAI, Conseil des droits de l’homme, Vingtième session, page 16.

8 إجابة الدولة التونسية حول البلاغ المشترك AL TUN 4/2022 المؤرخ في 19 أفريل 2022 والصادر عن مكتب الإجراءات الخاصّة بمجلس حقوق الإنسان، صفحة 9.

9 Mission permanente de la République tunisienne à Genève : Réponse de l’Etat tunisien à la communication conjointe AL TUN 4/2022 du 19 avril 2022 émanant du bureau des procédures spéciales du Conseil des droits de l’homme, Page 5

10 القانون عدد 154 لسنة 1959 مؤرخ في 7 نوفمبر 1959 يتعلق بالجمعيات، الفصل 17: “لا يُمكن لأيّ جمعيّة أحنبية أن تتكوّن أو تقوم بأيّ نشاط بالبلاد التونسيّة إلّا بعد تأشيرة قانونها الأساسي من طرف كاتب الدولة للداخليّة وإبداء رأي كاتب الدولة للشؤون الخارجيّة.” 

11 التقرير السنوي لنشاط الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل (2019) 

12  أنظر تقرير محكمة المحاسبات لسنة 2021. 

13 إذاعة موزاييك أف أم- مقال صادر بتاريخ 20 نوفمبر 2023: مديرة ديوان رئيس الحكومة: تحديد 272 جمعية مشبوهة.  

14  Hafidha Chekir, Projet de loi sur les associations, lecture critique, Nawaat, 15/02/2022. 

15  ميزانية الدولة لسنة 2023، مهمّة رئاسة الحكومة، صفحة 80. 

16 Human Rights Council, 53 session, 19 June – 14 July 2023, Agenda item 3, Promotion and protection of all human rights; civil; political; economic; social and cultural rights; including the right to development, Civil society space A/HRC/53/L.13.

17 مرجع سبق ذكره، صفحة 3. 

18  ألان توران، ماهي الديمقراطية؟ حكم الأغلبيّة أم ضمانات الأقليّة، ترجمة حسن قبيسي، دار السّاقي، الطبعة الثالثة، بيروت 2016، صفحة 60. 

19  المولدي قسّومي، الصّراع السياسي في تونس زمن الانتقال الجمهوري، منشورات دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى 2023، صفحة 574. 

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20235888/feed 0