18 فيفري 2019
Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [455.56 KB]

ملخص:

تنظر الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في مشروع قانون ينقّح القانون الانتخابي بإدراج عتبة انتخابية ب5% ابتداءا من الانتخابات التشريعية لهذه السنة. هذا المقترح الحكومي يستند إلى تشخيص يرى في نظام الاقتراع سببا لأزمة الحكم، لأنه يعسّر تكوين أغلبية نيابية، ويعطّل العمل النيابي. إلا أن هذه القراءة مجانبة للصواب، إذ أن انتخابات 2014 لم تنتج مشهدا برلمانيا مفتّتا، وإنما تفتت المشهد الحالي هو نتيجة مباشرة لأزمات الحزب الفائز وتشتت كتلته. كما أن تعطّل العمل النيابي ليس ناتجا عن تمثيلية الكتل المعارضة، وإنما أساسا عن تفشي ظاهرة غيابات النواب.

وتظهر خطورة العتبة المقترحة في تأثيرها الكبير على نتائج الانتخابات. إذ قامت البوصلة بمحاكاة لنتائج انتخابات 2014 مع احتساب عتبة ب5%، وتظهر النتائج انتقال 40 مقعدا من القائمات الصغرى إلى الحزبين الأكبر، نداء تونس وحركة النهضة، والتقليص كثيرا من تمثيل الكتل المعارضة بل وحرمان أحزاب عديدة من أي تمثيل برلماني. وهكذا، فإن عتبة ب5% تجعل من تحالف الحزبين الأكبرين شبه مفروض، حيث أنها تعسّر كثيرا من امكانية وجود حلفاء آخرين لتشكيل الحكومة.

استفادة الأحزاب الأكبر لا تتوقف هنا، إذ أن إدراج عتبة بهذا المستوى يكون له أيضا تأثير نفسي على استراتيجيات الأحزاب، وذلك بدفعها إلى عقد ائتلافات لا تعبّر بالضرورة على تقارب سياسي، وإنما عن ضرورة انتخابية، وبالتالي تكون عامل تفتت وعدم استقرار في المشهد البرلماني، على عكس الهدف المرجو من العتبة. أيضا، فإن تطبيق عتبة ب5% على التمويل العمومي يؤدي إلى إعطاء أفضلية كبيرة للأحزاب الأغنى، التي لا تحتاج التمويل العمومي. وإذا كانت العتبة تدفع عادة الناخبين إلى اختيار الأحزاب الأكثر قدرة على تحصيل مقاعد (“التصويت المفيد”)، إلا أن العزوف الذي أظهرته الانتخابات البلدية على اختيار حزبي النهضة والنداء، والذي تمظهر في التصويت لصالح المستقلين، قد يترجم في التشريعية، مع عتبة مرتفعة، في عزوف عن الانتخابات.

إلا أن خطورة المقترح تظهر أكثر من خلال توقيت مناقشته، أشهرا قبل موعد الانتخابات. إذ أن المسّ بنظام الاقتراع في هذا التوقيت، بشكل يخدم مصالح الأحزاب الكبرى، وتقريبا دون نقاش داخل اللجنة، من شأنه أن يؤدي إلى نوع من الريبة والتشكيك في العملية الانتخابية. وبالتالي، فإنّ الحلّ الأمثل الآن هو تأجيل النظر في تنقيح القانون الانتخابي، إلى ما بعد الانتخابات القادمة. هذا التأجيل سيمكن من التفكير في إصلاح جدّي ومدروس يأخذ بعين الاعتبار سلبيات وإشكاليات المنظومة الانتخابية، التي لا تتعلق بالضرورة بنظام الاقتراع، كمسائل التمويل الانتخابي والعقوبات الانتخابية وتنظيم الحملة وغيرها، وذلك في آجال معقولة، وبعد نقاش ديمقراطي مستفيض.